في عهدنا الجديد يبدو أن الكثير من الملفات المحلية- الراكد والساخن منها- ستتعرض للبحث بمهنية متحفزة للعمل الحيوي الجاد والمتوافق مع التطلع لمخرجات مفيدة عملياً للتنمية وبعيداً عن التضخم الإداري والبيروقراطية بمفهومها الشائع، لذلك كان أول الأوامر الملكية التي استفتح بها هذا العهد الكريم نشاطه إلغاء المجالس واللجان والهيئات العليا وقصرها على مجلسين فقط بصلاحيات واسعة ومسؤوليات عليا ترشيداً للترهل والتشعب الإداري والشكلي وخفضاً للنفقات غير المبررة أو غير المنتجة بالمعنى الصريح، كذلك قرار دمج وزارتي التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم في وزارة واحدة وهو القرار الذي لا يزال محل استنتاج وتمحيص من المعنيين وأهل الرأي لاستنباط فوائده وهو أيضاً ما قرأه البعض في الميول نحو استقلالية الجامعات كمؤسسات معنية بصناعة الفكر ودعم البحث بعيداً عن محددات العمل الإداري الملتزم بموقعه في هيكلية الدولة وضوابطها، كانت الكاتبة أميمة الخميس في مقالها المنشور في جريدة الرياض يوم الاثنين الماضي تسلط الضوء على جانب من الدور التنويري الذي مارسته الجامعات المحلية عند بداياتها "جامعة الملك سعود مثلاً" في تبنيها عقد حلقات النقاش العامة واستضافة أهل القرار وصناعة وتقديم البحث العلمي والمشورة للمجتمع قبل أن يصاب محيط الجامعات بالشحوب وتتحول قاعاتها إلى فصول دراسية وتغيب عنها ملامح الانفتاح؛ وأضيف هنا جانب آخر لازم جامعاتنا في هيكليتها المرتبطة بالدولة وهو التحول إلى قلاع خرسانية ضخمة تفتقد روح المهمة وتدعم تباهينا المفرط بالكمية والصدارة بالحجم دون تمحيص أو قياس للمخرجات التي يصد عن غالبيتها حتى قطاع الأعمال هنا؛ ناهيك عن الإفراط الزائد في تحصين الأيدولوجيا المحلية وفق رؤية ضيقة أبعدت الجامعات عن حياض المسؤولية المجتمعية التي تستلزم بناء فكر معالج للكثير من القضايا والتعاطي مع المستجدات على الفكر والمجتمع المحلي بروح عملية مرنة تدعم النهج المحلي وتعزز مكانته، كما تزخر الجامعات هنا بمسميات ومناصب تكرس البيروقراطية والترهل رغم أن مثيلاتها في العديد من دول العالم والتي تتفوق فعلياً على جامعاتنا في نوعية المخرجات والبحوث تكتفي في مقراتها بمبنى واحد أو عمارة متعددة الأدوار وربما في شارع جانبي ورئيس لا تحفه الألقاب والمناصب ومستلزماتها، بينما لها من الصيت والمكانة العلمية ما يؤهل لمراكز متقدمة في سلم تصنيف الجامعات العالمي، أعود إلى القرار الملكي الكريم بشأن دمج الوزارتين في وزارة التعليم لتوحيد الجهود ومعالجة الازدواجية والكمية في العمل ويبقى مشروع استقلال الجامعات كما يفترضه البعض كمنطلق جديد لبث الروح المعتبرة في شخصية الجامعات ودورها التنموي المؤمل لصيانة المجتمع وتوفير احتياجاته العملية من المخرجات المؤهلة والبحوث المعنية بالحاجة المحلية في تركيز على النوعية المقننة والهادفة وكذلك بناء وتعميم الفكر المحلي بمنهجية مرنة لا تفترض الحماسة على حساب قيم ومسلمات أخرى، وفق الله بلادنا لكل خير. * كاتب وإعلامي سعودي