الملاءات التي كان السكان يختبئون وراءها من أعين القناصة، ما زالت معلقة في شوارع مدينة كوباني الحدودية السورية، التي توحي مبانيها المحطمة وطرقها ذات الحفر بأن من فروا من المدينة لن يعودوا على الأرجح إليها سريعاً. قالت القوات الكردية، الأسبوع الماضي: إنها سيطرت تماما على مدينة كوباني التي تقطنها أغلبية كردية والواقعة قرب الحدود مع تركيا، بعد شهور من قصف تنظيم داعش لها. وبإعلان القوات الكردية انتصارها برفع الأعلام الكردية لتحل محل رايات داعش بلونها الأسود عمت الاحتفالات وسط أكثر من 200 ألف لاجئ فروا إلى تركيا منذ بدء الهجوم على البلدة في سبتمبر. وولدت برودة الجو والفقر والجوع رغبة لدى الكثيرين للعودة إلى ديارهم ومحاولة استعادة حياتهم المعيشية. لكن شهوراً من المعارك دمرت البلدة. تقف سيارات محطمة بجوار مبان تحولت إلى ركام كما أن الطرق مليئة بحفر عميقة. وتجوب دوريات المقاتلين الأكراد ممن يشعرون بالإرهاق والتوتر، الشوارع، كما أن خطر وجود عبوات ناسفة لم تنفجر يشعر المدنيين بالخوف من المكان الذي يمكن أن تطأه أقدامهم. قال مقاتل من وحدات حماية الشعب الكردية، وهو يمسك بسلاحه الآلي ويقف أمام أنقاض مبنى "العودة إلى كوباني ستكون أصعب من مغادرتها". وأضاف وهو يشير إلى كومة من الأنقاض بنفس ارتفاع المبنى المؤلف من طابق واحد المجاور لها: "تحتاج المدينة إلى أن يعاد بناؤها من البداية." أصبحت كوباني الواقعة وسط التلال ولا يفصلها عن تركيا سوى خط مهجور للسكك الحديدية، نقطة محورية للصراع الدولي ضد داعش ويرجع ذلك جزئيا للأسلحة الثقيلة وعدد المقاتلين الذين دفع بهم التنظيم إلى ساحة القتال. وبمساعدة الضربات الجوية اليومية التي توجهها القوات بقيادة الولاياتالمتحدة والأسلحة والذخيرة ووصول مقاتلين من إقليم كردستان العراق شبه المستقل تمكن المدافعون عن كوباني من صد مقاتلي داعش، واعلان تحقيق انتصار مبدئي يوم الإثنين. ولوح مقاتلون من وحدات حماية الشعب بعلامة النصر أمام مجموعة من الصحفيين كانوا يرافقونهم في كوباني لكن وراء الشعور بزهوة الانتصار ما زالت أجواء التوتر تخيم على البلدة. قال مقاتل يحرس ميدانا في الوقت الذي تقوم فيه مجموعة من زملائه بدوريات في الشوارع المحيطة على دراجات نارية: "ما زالت قذائف المورتر تسقط هنا. لا تتجولوا في المنطقة فالوضع خطير." واستمرت المعارك في القرى إلى الجنوب الشرقي والجنوب الغربي من كوباني منذ أن أعلن الأكراد انتصارهم. قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) يوم الإثنين: إن المعركة من أجل السيطرة على البلدة لم تنته بعد وصرح مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية بأن الوقت ما زال مبكراً لإعلان أن "المهمة أنجزت". قالت صحيفة راديكال التركية: إن تنظيم داعش أطلق قذيفة سقطت قرب الحدود التركية داخل كوباني، يوم الخميس، ما أسفر عن إصابة أربعة مدنيين. ونفى مؤيدو داعش أن يكون جرى طرد التنظيم. وتساءل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشأن ما الذي يجب الاحتفال به. ويشعر أردوغان بالقلق من دعم الأكراد السوريين وسط مخاوف من أن يعطي ذلك دفعة لمساعي الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا. وقال في اجتماع لمسؤولين حكوميين محليين في قصره في أنقرة: "عندما يتعلق الأمر بكوباني يقف العالم كله ويتعاون... اليوم يرقصون في فرح. ماذا حدث؟" وتساءل: "خروج من هناك رائع. لكن من سيصلح كل هذه المواقع التي قصفت؟ هل سيتمكن من فروا من كوباني ومجموعهم 200 ألف من العودة؟ وعندما يعودون أين سيعيشون؟"