نشر مركز البحوث التابع لحملة «السكينة» المتخصصة في دراسة الظواهر المتشددة، وتأهيلها بالعلاج الفكري المناسب، تقريره حول السبب الرئيس لذهاب الشباب للمناطق المشتعلة، وأكد أن قرابة ألف وخمسمائة سعودي وفقا لبعض الإحصاءات المنشورة موجودون في سوريا والعراق ضمن جماعات متطرفة، وتساءل: لنفترض أن العدد أقل أو أكثر فتحديد العدد لا يشغلنا بقدر ما يشغلنا السؤال: لماذا ذهبوا؟ دعونا نحلل سويا المعطيات ونفكك عناصر الإشارات التي يُمكن أن تدلنا على الإجابة، وهي قراءة حُرة ليست دراسة أو استطلاعا أو حتى قراءة علمية بقدر ما هي (تفكير بصوت مرتفع) ونتمنى أن تتحرك الجهات المعنية بالدراسات والأبحاث لإفادتنا بالجواب الذي من خلاله نستطيع الاتجاه إلى الأساليب المثلى في المعالجة والتحصين. لنقسمهم إلى فئات: 1 من لديهم ارتباط مسبق بالإرهاب ومشاركات في العمليات الميدانية أو الفكرية أو التموينية للإرهابيين.. هذا القسم سبب ذهابه إلى مناطق الصراع ضمن جماعات متطرفة واضح، لكن السؤال الذي يخصهم (لماذا لم يتغيروا؟) فهم دخلوا تجارب سابقة وربما بعضهم قضى عشر سنوات.. أكثر أو أقل.. وهو يتعاطى الإرهاب، فلماذا لم يتغير؟ أو تخف قناعاته. ثمة أعداد كبيرة تراجعت وغيرت أفكارها أو بعضها لكن ثمة فئة مستمسكة بالتطرف وهذا أمر طبيعي، لكن المهم وجود دراسة عميقة تكشف لنا الأسباب، رغم وجود برامج توعية متنوعة وتغيرات في داخل بنية الجماعات والتنظيمات وكم ضخم من المواد الإعلامية والعلمية والنفسية.. لكن ثمة فئة ما زالت محتفظة بتطرفها وغلوها، هل هم بحاجة إلى أساليب أخرى أو برامج من داخل التنظيمات، أم أنه أمر طبيعي وجود أمثال هؤلاء والتركيز يكون للفئات الأخرى؟ 2 أصدقاء وأقرباء وأتباع بعض المتطرفين سواء كانوا موقوفين أو هاربين أو قتلوا في عمليات. كذلك هذا القسم ظاهر سبب انحرافهم واختيارهم المشاركة ضمن جماعات متطرفة وغالبا هؤلاء من بيئة محبطة ومهيأة. ودافعهم الانتقام أو التقليد. لذلك من المهم وجود برنامج لذوي وأصدقاء الإرهابيين، نعم.. أغلب ذويهم ومن حولهم ضد أفكارهم المتطرفة لكن تظل وجود نسبة تستحق العناية. فالمشهد الآن هو عملية (تسلسل) للإرهابيين فكل جيل ينقله لمن بعده والعدوى تنتقل بين الأصدقاء والأقارب، ولنكن واقعيين في تصميم البرامج، فمن غير الممكن أن تذهب فرق المناصحة والتوعية إلى أقارب وأصدقاء الموقوفين والإرهابيين والدخول إلى بيوتهم والتحدث معهم! لكن ثمة أساليب أخرى تحفظ للبيوت مكانتها وللأسر سريتها. 3 في سوريا ظهر قسم لم يظهر بشكل كبير في مناطق أخرى أو في مراحل أخرى عاشتها التنظيمات المتطرفة، وهم هؤلاء الذين لم يأتوا وفقا لخلفية دينية أو حمية أو نصرة أو تحت مظلة دينية أيا كانت، ذهبوا.. لأن المشهد هناك استهواهم، لاشك لديهم دوافع دينية ونفسية لكن الأصل هو دوافع الرغبة والتغيير والتجربة ومحبة سرد القصص والبطولات، ومنهم من لا يوجد لديه ما يخسره أو يخاف عليه في وطنه. هؤلاء المهمشون يتعاملون مع الوضع وكأنه (رحلة برية) و(مغامرة) يشبهون إلى حد كبير قطاعا عريضا من الأوروبيين الذين حملتهم المغامرة والموضة إلى سوريا والعراق، فهو ليس إيمانا بالفكرة بقدر ماهو محبة المغامرة، لذلك يكثرون من الاستعراض عبر الصور والفيديو وسرد القصص وكتابة الأحداث، بالطبع هؤلاء لم يتخيلوا الجحيم الذي تعيشه الجماعات المتطرفة لذلك يظهرون بقوة ثم فجأة يختفون. ربما هربوا أو قتلوا أو تمت تصفيتهم أو عادوا. 4 من ذهبوا عن قناعة (جديدة) وإيمان بالفكرة وتصديق بالحال الذي عليه الجماعات المتطرفة، هذا القسم هو (المشكلة) وهو الذي يستدعي التركيز، فلا توجد اسباب واضحة أو ارتباطات سابقة أو خلفيات تطرف، فجأة يذهب.. وأكثر القريبين من الشخص الذي نفر للقتال يستغربون ذهابه! حتى الأصدقاء، مؤكد لديه نية مسبقة وترتيب، وأغلبهم تأثر عبر الإنترنت، لكن السؤال المقلق كيف وصلوا إليه ولم نصل إليه؟ هل رسالتنا ضعيفة؟ أم أنها غير كافية؟ أم غير جذابة؟ أم غير مقنعة؟ أو أنها محدودة أصلا، فهي وإن كانت جيدة ومناسبة لكنها لم تصل إليهم أصلا! ولو وصلت إليهم ربما غيرت مساراتهم، فهؤلاء إقناعهم أسهل ممن يحمل أصلا قناعات مسبقة أو يأتي من بيئة إرهابية. طلاب وموظفون وعزاب ومتزوجون.. أغنياء وفقراء.. خليط طبقي واجتماعي واسع يشبه إلى حد كبير الذين ذهبوا إلى أفغانستان نصرة للأفغان على الروس.. فالتركيبة المجتمعية والعمرية وحتى الفكرية متقاربة.. ذهبوا ل (نصرة) إخوانهم في مواجهة الأعداء الظالمين رغبة في الجهاد.. هذه هي الأسباب ببساطة، ولنكن واقعيين كثير منهم ذهب وهو لم يحمل أفكار التكفير وليس في ذهنه تفاصيل الواقع هناك.. فقط الجهاد هو المسيطر عليه. تبرز هنا خطورة التحريض العام في بداية الأزمات والأحداث، ورفع مستوى التعبير العاطفي، وللأسف هذا ما حصل.. نعم لابد أن نتألم للمظلومين وندعو لهم وننصرهم لكن وفق رؤية شرعية ونظامية، أما التهييج والتحريض وشحن العواطف بشكل مبالغ فيه فهذه نتائجه. صحيح.. المحرض لم يقل اذهبوا لسوريا والعراق لكنه وضعهم على مسافة قريبة من ذلك. كذلك تبرز هنا مشكلة الإطلاقات العامة، فعندما يدعو أحدهم بأهمية النصرة والإعانة وفق سياق عام ولغة عاطفية عالية ويربطها بالمعاني الشرعية.. ماذا يفهم المتلقي؟ الحقيقة أن التحريض مورس بطرق مباشرة وغير مباشرة ونتائجه هذه الفئة التي لم تكن تحمل التطرف بل كانت تسير في طريق حياتها بشكل جيد لكن (قطاع الطريق) غيروا مسارهم. الأسرة هي أكبر مؤثر على هذا القسم، لكن الأسرة بحاجة إلى برنامج توعية وإرشاد لرفع وعيهم وإدراكهم بأساليب التعامل مع الأزمات الفكرية، وتكريس التواصل مع ذويهم وأن يكون مشروع مواجهة الإرهاب ضمن أجندة الأسرة ونشر الحقائق عن وضع وحالة الجماعات المتطرفة. المعالجات (السلبية) للأسف ظهرت معالجات سلبية، نهجت أساليب غير صحيحة في معالجة الإرهاب، هذه المعالجات تجعل المتلقي يرفض الفكرة بشكل كامل ويقبل بالأفكار السلبية: بعض وسائل الإعلام ساهمت في بث برامج هدفها الظاهر ضد الإرهاب لكنها في الحقيقة تكرس الإرهاب وتوسع دائرة المتعاطفين مع الإرهابيين، إنها تواجه الإرهاب بطريقة مستفزة وتقحم مشكلات أخرى داخل المشكلة الأساس، فهي أقرب إلى كونها تصفية حسابات وتشف ومحبة انتشار وظهور من كونها معالجات. وللأسف خلطت هذه البرامج بين بيان الحقيقة وبين تحويل الحقائق إلى مواجهات شخصية. بالتالي المتلقي المحايد سيميل إلى جانب التطرف لأن الصورة التي يقدمها المعتدل مستفزة ومشوهة. ما زلنا في منطقة المواجهة (العشوائية) ربما السعودية أفضل دول العالم مواجهة للإرهاب فكريا.. ومع ذلك ما زالت مواجهاتنا عشوائية تحتاج إلى مزيد تقويم وتطوير وتنسيق وتكامل ووضع استراتيجيات واضحة للجميع، هذه الأرقام ممن خرجوا ونفروا لمناطق الصراع مؤشرات واضحة إلى أهمية الجدية في تطوير برامجنا لمواجهة الإرهاب وتعزيز الوسطية. نتمنى أن نسلم الأسر التي خرج منها هؤلاء دليلا إرشاديا متوازنا نوصل إليهم ما يمكن فعله وعمله ولعل الجهات البحثية تنشط في ذلك.