قرّرت السفر إلى شمال المملكة "للكشتة" والتمتع بهذه الأجواء الخلابة، ومن ثم السفر الى المنطقة الشرقية بسيارتي في مهمة عمل، ولأن السفر براً يكاد يستغرق الوقت ذاته الذي تستغرقه الرحلة جواً!! واعتقدت أنّني كنت قادراً على تشغيل الجيل الثالث لإنجاز بعض الأشغال المتعلقة بالعمل وأنا في الطريق إلى الشمال أو في الطريق إلى المنطقة الشرقية لكن هيهات، لأن الطرق السريعة لا توفر خدمة الجيل الثالث!! لقد أحصيت 19 كاميرا لساهر وأنا في طريقي إلى الشمال قادماً من الرياض. ومما يلفت الانتباه في الطريق وجود مراقبة محدودة من جانب أمن الطرق، باستثناء نقاط التفتيش المعتادة. كما لاحظت استمرار القيادة المتهورة وبسرعات جنونية. لقد دُهشت عندما دخلت الطريق السريع المتجه إلى القصيم من ثم شمال المملكة وبعدها إلى الدمام حيث وجدت أسطولاً ضخماً من الشاحنات التي تشغل خطين، من خطوط الطريق الثلاثة في معظم الأوقات!! وفي إحدى اللحظات، تراءى لي أنني كنت أُشاهد استعراضاً كبيراً للشاحنات!! وعندما ترى الكثير من الشاحنات المحملة بالسلع، فإن هذا مؤشر على النمو والازدهار الاقتصادييْن. وهذه حقيقية في السعودية، لكنّ رؤية الكثير من الشاحنات في مساحة صغيرة جداً، أمرٌ مثير للقلق. ناهيك عن رداءة الطرق من حيث الصيانة. الامر المؤكد ان الشاحنات تسبب– إلى جانب أمور أخرى مثل الحوادث والكوارث– قدراً كبيراً من التلوث البيئي. ولأنها المرة الأولى التي أسلك الطريق براً إلى الشمال، فلا أعرف ماضيه لكن الطريق السريع إلى الدمام لم يتغير كثيراً خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية سوى محطتين جميلتين توفران كافة الخدمات. باستثناء بعض الجسور المخيفة من ناحية الأمن والسلامة التي تُبنى فوق طريق الرياض- الدمام السريع، لقد تدهورت نوعية هذا الطريق بصورة متزايدة نتيجة لاستخدام الشاحنات له بكثافة. وأثناء العودة إلى الرياض- وكان ذلك ليلاً– لاحظت أيضاً أن الشاحنات كانت تشغل خطين من الخطوط الثلاثة للطريق في معظم الأوقات. كما لاحظت استمرار القيادة المتهورة وتجاوز السرعات القصوى بالرغم من وجود كاميرات ساهر لمراقبة السرعة. وإذا أراد سائق مسرع تجاوز سيارة أخرى في الخط الثالث والوحيد المتوافر للسيارات، فإنه يُضطر إلى استخدام خط الخدمات وهو الجنون الحقيقي لأن طريق الخدمات لا يصلح لعمليات التجاوز، الأمر الذي يجعل خطر وقوع حوادث مرورية كبيراً جداً. ومن بين كل 10 سيارات، كان هناك خمس سيارات تحمل لوحات مغطاة لتلافي كشفها بواسطة كاميرات المراقبة. سيكون هناك دائماً سائقون مستعدون لانتهاك قوانين السير، لكن السبيل الوحيد للسيطرة عليهم يتحقق عير تعزيز دوريات المرور وزيادة غرامات المخالفات والعقوبات، مثل مصادرة السيارات ورخص القيادة فوراً. تشهد المملكة أكثر من 300 ألف حادث مرور سنوياً. وتؤدي حوادث المرور هذه إلى أكثر من 30% من حالات إشغال أسرّة المستشفيات. وفي المعدّل، تؤدي حوادث المرور إلى وفاة 20 شخصاً يومياً في المملكة. وتُعدّ هذه الحوادث السبب الرئيس لوفيات الشباب الذكور الذين تتراوح أعمارهم من 16 إلى 36 عاماً. الدراسات المرورية التي أُجريت في المملكة تشير إلى أن حجم الخسائر المادية السنوية التي تنجم عن حوادث المرور يبلغ حوالي 23 مليار ريال في عام 2013. الإدارة الفاشلة للطرق وعدم التعاون مع المرور والجهات الحكومية المعنية سيؤدي إلى وقوع أكثر من أربعة ملايين حادثة مرور سنوياً بحلول عام 2030. وعلى سبيل المقارنة، نشير إلى أن العقدين الماضييْن شهدا أربعة ملايين حادث مرور أدّت إلى وفاة 86 ألف شخص. لذا، أوصي وزير النقل الجديد بأن يعقد اجتماعاً عاجلاً مع الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) لمراجعة آخر تطورات الخط الحديدي بين الرياض وشمال المملكة، من ثم عقد اجتماع اسبوعي للتغلب على كافة العقبات التي تواجه مشروع خط الحرمين السريع مع وضع جدول زمني وتنفيذي، وأوصيه أيضاً أن يعيد احياء مشروع الجسر البري الذي طال انتظاره من خلال الضغط على صندوق الاستثمارات العامة (مالك الشروع) لما له من مردود اقتصادي كبير وأخيراً إدخال السكك الحديدية المؤدية إلى المنطقة الجنوبية. سيؤدي تقليص أعداد الشاحنات التي تستخدم الطرق السريعة لنقل السلع إلى تقليص حوادث المرور وإلى الحد من الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى تخفيف أعباء صيانة هذه الطرق. في الختام، خدمات الموانئ لا تقل أهمية عن خدمات الطرق والسكك الحديدية. أسلوب الخصخصة الحالي– عقود ادارة – المتبع لدى المؤسسة العامة للموانئ لم يتغير منذ أكثر من 17 سنة وهو أسلوب عقيم. لابد من إعادة تقييم هذه المؤسسة واسلوب خصخصتها وربما يكون من المجدي تحويل جزء من الموانئ إلى شركات ربحية. أنقذوا الطرق السريعة قبل فوات الأوان يا وزارة النقل. والتفكير خارج الصندوق بالنسبة للموانئ يا عبدالله المقبل.