جميل أن لا نخطئ، وأن نسعى في عدم التقصير في حقوق الآخرين، وأن نتجنب ما يوجب الاعتذار، لكن ورود الخطأ أمر محتمل، لاسيما مع كثرة الخُلطة والمجالسة. ألا ترى أن الخطأ أكثر ما يقع بين الأقربين، فيسعى الشيطان في تضخيمه، وتعميق الفجوة بين أطرافه، ما لم يكن الاعتذار. فلمَ يمتنع البعض عن الاعتذار؟ ربما لأنه نشأ في بيئة ترى الاعتذار ضعفا، أو تجعله مطية لإيقاع العقوبة، وربما لاعتقاد المخطئ أن الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه يجرئ المعتذر إليه، وتلك مغالطة يزينها الشيطان، ولا أدل على ذلك من أنه تقع أمام ناظرينا مواقف يعتذر فيها المخطئ، فيكبر في نفوس الآخرين، ولا شك أن هناك من أخطأ في حقنا فاعتذر، أليست مكانته في نفوسنا عادت أكبر مما هي عليه قبل الخطأ؟! إذن فالاعتذار لم يُعِد العلاقة فقط، بل زادها متانة. ينبغي أن ندرب أنفسنا على الاعتراف بالخطأ والاعتذار لمن أخطأنا في حقه، كي لا نخسر من نحب، لأنه كما قيل «الخطأ الذي لا نعترف به يقع مرتين». الاعتذار قوة؛ لأنه انتصار للمروءة على الهوى، والاعتراف قوة لأنه استعداد لتحمل تبعات الخطأ. وكلما خلا الاعتراف والاعتذار من التبرير كان أجمل، وأقوى، وأبلغ في التأثير، لأن التبرير ربما جعل الاعتذار يبدو لوماً، فلا تفسد اعتذارك ب(لكن). الاعتذار يدفع الآخرين لأن يقدموه لنا إذا أخطؤوا بحقنا، فهو درس أخلاقي عملي، نحن أحوج ما نكون إليه في أسرنا، مع أزواجنا، وأولادنا، وإخواننا. فلا يمكن لأولادنا، أن يتدربوا على الاعتذار بمجرد توجيه لفظي، إذا كانت أفعالنا تخالفه، فالأفعال أبلغ في التأثير من الأقوال. إذا انتشرت بيننا ثقافة الاعتذار حفظنا علاقاتنا من الفتور، والفرقة، والتنافر. وفي ديننا، الاعتذار باب لإبراء الذمة، وتخليص للنفس مما قد يلحق المخطئ من مطالبة أخروية، تذهب بحسناته، أو تزيد سيئاته. اعتذر أبرأ لذمتك، وأكمل لمروءتك.