في بلاد الغربة بعد ما يغادر طالب يافع أسرته ووطنه إلى محيط آخر جديد مختلف عن عاداته وتقاليده يشعر بالضيق والاشتياق لحياة ألفها واعتاد عليها، ربما ينتابه قلق، اكتئاب، عصبية، خوف، وحزن شديد يؤثر بشكل سلبي على تفاعله مع أقرانه ومشاركته مع أساتذته فيتوارد في مخيلته أن الحل المناسب هو إلغاء الدراسة والعودة إلى الوطن. فيما طالب آخر مشبع برغبة السفر وطموح تكملة الدراسة الجامعية بالخارج، يشعر بحماسة مختلفة عن السابق تدفعه للأمام، فور وصوله ينهي جميع متطلبات السكن، والدراسة، والتنقلات، بسهولة دون تردد، لا تقف أي عقبات أمامه نهائيا، وربما يتناسى – مؤقتاً - أسرته، وبعض عاداته. التفكير والذاكرة وظائف عقلية تؤثر في حياة الطالب بشكل مباشر، سواء من جانبها السلوكي أو حتى الانفعالي، ما يشغله في الوقت الراهن ينصب على تفكيره كلياً، فيؤثر على تصرفاته في مجابهة الحياة. تخيل طالباً في الغربة كان متقوقعاً في سكنه، وطرق جاره عليه الباب، يطلب منه مرافقته للعب كرة القدم، بالطبع سيؤثر ذلك على تنمية العلاقة، والأهم أنه سيشغل حيزا في عقله، ومن ثم يتفاعل مع الحدث بشكل إيجابي، بسبب أنه أشغل تفكيره بنمط واقعي ملموس وبطريقة نشطة وفعالة، وبذلك يطغى الفكر اللحظي على خانة من الفكر الدائم ويزرع أفكارا حديثة تساعد على مواجهة الحياة اللاحقة، فعلماء الأعصاب ينظرون إلى المخ باعتباره نظاماً متكيفاً، فكل خلية عصبية تتصل بالآلاف مع جاراتها عن طريق المشتبكات العصبية، وبدورها يتغير النشاط فيها تبعاً لإفراز الناقلات العصبية الكيميائية، بل إن المخ يتغير بين لحظة وأخرى طبقاً لتجارب مكتسبة، فالمشتبكات العصبية يتبدل نشاطها مع اطراد التعلم وتكوين الذاكرة. اذن فالعقل إذا نهض بشكل لحظي يغيب عنه الماضي مؤقتاً، أما اذا تقوقع في ذاكرة من الماضي سيتأخر ومن ثم لن يساعده ذلك على المضي قدماً، فما يحتاجه طالب الغربة هو اشغال ذاكرته بأجواء العلم، وبكتبه ومحاضراته، فالحنين اذا طغى لن يدعه يكمل مشواره.