لن تكون عظيماً حتى تكون إنسانا لا يغره المدح ولا يضره القدح. تلك منزلة عظيمة لا ينالها إلا القلة، الذين متى اقتنع أحدهم بمنهجه وبان له طريقه، لا يلوي على شيء، ولا يتأثر بشيء، بل يمضي قدماً ولا يبالي. ليس معنى هذا ألا يستمع الإنسان لغيره، أو يأخذ من أحد، أو يستشر أو يتراجع أو يتنازل، بل يجب عليه أن يرجع فوراً، لكن عند بيان الحق له وعند ظهور خطئه ولكن الحديث هنا عمن يقتنع بالحق، ويتأكد من منهجه، ثم يبقى التأثير عليه ظاهراً، والتردد والتنازلات بائنة سواء من الحكومات أو العادات أو الجماهير أو غيرها، مما يؤثر على كثير من الكبار، فأصبحوا يرجون نفعهم ويخافون ضرهم! يجب أن يكون مقصد الجميع الله وحده والحق وطريقه، وبعدها يحبه من يشاء ويبغضه من يشاء، ويناصره من يريد، ويعاديه من يريد، فما سلم حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: «وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين». كم يسقط العظيم ويصغر الكبير عند الله وعند الناس عندما يتنازل عن المبدأ ويتراجع عن الحق لأمر أو لآخر بتأويل أو تحايل أو تصريح. قبيح أن يكون المصرّف غير الحق والموجّه غير المنهج السليم كتاباً وسنة، قبيح الاستعباد لغير الله، والأسر لغير الحق، فكيف عندما يكون ذلك من كبير أو عظيم! قال الله تعالى: «إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا». فلمَ الخوف والتنازل فالناس إلى تراب، والكون إلى فناء، فلا نقصد غير الله، ولا يوجهنا سواه، ولا يهمنا غير رضاه، عندها نبلغ درجة الرضا والعظمة، عندها لن يغرنا مدح ولن يضرنا قدح وتلك منازل العظماء.