ينتظر أن تظهر ملفات عديدة أمام قادة الخليج في قمة «الدوحة» المنتظر إقامتها منتصف هذا الأسبوع في مقدمتها أمن المنطقة الإقليمي، والتعاون الاقتصادي، ومكافحة الإرهاب في ظل عدم الاستقرار وانعدام الأمن في بعض الدول الاقليمية، وتفاقم المعاناة. تعقد قمة الخليج في أجواء صعبة على الصعيدين العربي الإقليمي والدولي، وتنتظر أن تخرج القمة بتثبيت المصالحة الحقيقية التي قادها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة المصغرة بالعاصمة السعودية الرياض بين أبناء دول مجلس التعاون، وتوفير أجواء من المكاشفة، توفر بيئة مناسبة للعمل المشترك، والإنجاز الهادف إلى تحقيق رقي وازدهار منطقة الخليج العربي. على صعيد الأمن، ستكون ملفات الأوضاع والمستجدات الخطيرة التي تعيشها المنطقة تؤثر بعمق على أمن المنطقة والأمن الاقليمي، وبخاصة في ظل تصاعد خطر التنظيمات الارهابية المتطرفة، وغياب موقف عربي تضامني، وحالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن في بعض الدول الاقليمية، وتفاقم المعاناة أولى أولويات القادة. مكافحة الإرهاب وفي مجال مكافحة الإرهاب، سيكون لقاء قادة الخليج امتدادا للسياسة الخليجية في مكافحة الإرهاب اعتمادا على عدة ثوابت أساسية، من أهمها أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأنه عمل دخيل على المبادئ الإسلامية والتربة الخليجية، فضلاً عن إعمال الحكمة والتروي في التعامل معه، باعتبار ذلك الوسيلة الأنسب للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، وهذا يقتضي، ألا يقتصر الأمر على الحل الأمني فقط، بل تكون الحرب على الإرهاب، متعددة الجوانب. علما بأن دول المجلس اتخذت سلسلة من الإجراءات الفعالة من أجل مكافحة أعمال الإرهاب على كافة الأصعدة والمستويات داخلياً وإقليمياً ودولياً، فعلى الصعيد الداخلي، أصدرت القوانين الخاصة والتشريعات الوطنية المتعلقة بمكافحة وتمويل الإرهاب، ومن بينها الاستراتيجية الأمنية لمكافحة التطرف والارهاب، واتفاقية دول مجلس التعاون لمكافحة الارهاب، فضلاً عن التعاون الشامل والتنسيق الدائم بين الأجهزة الأمنية بدول المجلس في هذا المجال. وعلى صعيد الملفات الاقتصادية، ينتظر أن يكون ملف التعاون الاقتصادي الخليجي ومشروع سكك حديد التعاون من أهم الملفات على الطاولة، حيث يحظى المشروع باهتمام كبير من قبل أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، لما له من مردودات ايجابية مباشرة على تعزيز التواصل والترابط بين دول المجلس ومواطنيها، وتيسيراً لحركة التجارة بين دول المجلس، وحرية التنقل للمواطنين والمقيمين فيها إلى جانب دعم الاستثمارات المشتركة بين دول المجلس بما يسهم في تفعيل التبادل التجاري والاقتصادي الخليجي. اهتمام القيادة السعودية أولت قيادة المملكة العربية السعودية جُلّ اهتمامها بالشأن الخليجي وعملت بكل صدق ومحبة وإخلاص على تحقيق ما فيه خير شعوب المنطقة وأمنها واستقرارها. فمنذ القمة التأسيسية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة في الحادي والعشرين من شهر رجب عام 1401ه الموافق الخامس والعشرين من شهر مايو 1981م برزت مواقف القيادة السعودية بالفعل قبل القول في دعم العمل الخليجي والنهوض به على المستويين الداخلي والخارجي. وتجلى اهتمام القيادة السعودية بمجلس التعاون الخليجي منذ تلك القمة حيث عبر جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- عما يحمله من رؤية ثاقبة تجاه إنشاء هذا الكيان بقوله -رحمه الله- في تصريح أدلى به لوكالة أنباء الإمارات عقب وصوله إلى أبوظبي: «إننا نتطلع أن يكون لهذا التجمع الخير للأمة الإسلامية». وأكد جلالته أن هذا التجمع يعمل لخير المنطقة ولا يهدف من قريب أو بعيد بطريق مباشر أو غير مباشر للإضرار بأحد فهو ليس تكتلاً عسكرياً ضد أي فريق وليس محوراً سياسياً ضد أي قوى. وأضاف أنه التقاء دوري بين إخوة أشقاء يسعون للعمل على رفاهية ورخاء واستقرار شعوبهم المتجاورة. وفي حديث لصحيفة السياسة الكويتية نشرته يوم 22/7/1401ه الموافق 26/5/1981م أكد جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- أن مجلس التعاون الخليجي سيصل إلى تقنين التفاهم الودي وجعله عملاً منظماً تسير عليه معاملات المنطقة بيسر ومحبة لترجمة رغبة شعوبها وأهلها التي عاشت على الأخوة والوئام. ووصف جلالته قمة مجلس التعاون الخليجي في أبوظبي بأنها حدث تاريخي طالما انتظرته طويلاً أجيال منطقة الخليج وشبه الجزيرة. وجدد رحمه الله التأكيد على أن لقاء أبوظبي ليس موجهاً ضد أحد وهو لتنظيم حال أسرة واحدة يكون تحركها تحركاً موحداً. وقال: إن هدفنا خير أمتنا وخدمة عقيدتنا الإسلامية وهي عقيدة بها كل الخير للبشرية وبها العدل وأي تفسير خارج هذا الإطار هو تفسير خاطئ الغاية منه التشويش وهو موضوع لم يعد يؤثر فينا. وأضاف جلالته: «قررنا بمشيئة الله مع إخواننا في الخليج أن نترجم الرغبات إلى نظم نسير عليها لصالح منطقتنا وحماية خيراتها ولتوحيد كلمتنا». واضطلع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- بدور مهم في هذا المجال لما قدمه من عطاء ورعاية للمجلس منذ نشأته ثم انطلاقته إذ وقف في الدورتين الأولى والثانية يشد من عضد أخيه جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- ثم حمل المسؤولية انطلاقاً من الدورة الثالثة التي عقدت في المنامة في شهر محرم من عام 1403ه الموافق لشهر نوفمبر من عام 1982. ومنذ ذلك التاريخ تمكن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بحكمته الثاقبة وبعد نظره من دعم السير بالمجلس نحو القمة متجاوزاً كل الصعوبات التي تقف في طريقه ساعياً مع إخوانه قادة دول المجلس إلى بلوغ الهدف المنشود. غزو الكويت ومن بين أبرز الأدلة التي تبرهن على حرص المملكة العربية السعودية على وحدة هذا الكيان وصموده والعبور به إلى بر الأمان بالرغم من التحديات التي واجهته الموقف الرائد والمشرف الذي وقفه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- تجاه غزو النظام العراقي السابق لدولة الكويت الشقيقة العضو في مجلس التعاون ذلك الموقف الذي ستظل الأجيال المتعاقبة ترويه دون كلل أو ملل, موقف يدل على شجاعته وحنكته ويترجم حكمته وبعد نظره. فمنذ اليوم الأول للغزو قام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بإجراء سلسلة من الاتصالات والمشاورات الواسعة مع مختلف الأطراف العربية والإسلامية أملاً في إيجاد حل عربي إسلامي للقضية يجنبها أي تدخل أجنبي ويتيح المجال للتوصل إلى حل ينهي المشكلة والآثار المترتبة عليها ولكن نظام الحكم في العراق رفض الاستجابة لنداء العقل. وهنا نهض خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بمسئولياته الثقيلة بكل قوة واقتدار واتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب فقد كان يوم الثامن عشر من محرم لعام 1411ه الموافق التاسع من شهر أغسطس 1990م نقطة تحول جذرية في الموقف برمته إذ أعلن الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- في كلمة استعرض خلالها الأحداث المؤسفة قراره التاريخي الحازم والحاسم بالاستعانة بقوات شقيقة وصديقة لمساندة القوات المسلحة السعودية في أداء واجبها الدفاعي عن الوطن والمواطنين ضد أي اعتداء. وقال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- في هذا السياق: إن القضية واضحة تماماً فالأزمة الخطيرة في الخليج التي تنذر بانفجار رهيب في المنطقة لها سبب واحد وهو العدوان العراقي على أرض الكويت وسيادته واستقلاله ومقدراته وإذا كان سبب الأزمة واضحا تماماً فإن إنهاء الأزمة واضح تماماً أيضاً وهو إزالة السبب ويتمثل ذلك في الانسحاب العراقي من الكويت بلا شروط وعودة الشرعية إلى هذا البلد العربي المسلم الشقيق. لقد كان الملك فهد -رحمه الله- يدرك بفضل ما حباه الله من حصافة في الرأي ونفاذ في البصيرة أن قوات الغزو العراقية ستنسحب من الكويت سلماً أو حرباً. وفي هذا السياق قال -رحمه الله- في كلمته في الدورة الحادية عشرة التي عقدت في الدوحة في 7/6/1411ه الموافق 24/12/1990م «لم نتخذ قرارًا بحرب أو سلم ولكننا اتخذنا قرارًا بعودة الكويت سلما ما أمكن السلم، وحربًا حين لا يبقى سوى الحرب». ومن المواقف الخالدة أيضاً للمملكة العربية السعودية استقبال قيادة وحكومة وشعب الكويت أثناء الازمة في صورة تعكس عمق العلاقات والأواصر التي تربط بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين. وفي الدورة الحادية والعشرين التي عقدت في مملكة البحرين في 4 شوال 1421ه الموافق 30 ديسمبر 2000م ركز خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -ولي العهد آنذاك- في الكلمة التي وجهها إلى الدورة على ضرورة تطوير التعاون العسكري بين الدول الأعضاء وتنمية القدرة الدفاعية الذاتية الفاعلة لدول المجلس. وفي هذا السياق قال حفظه الله: إذا كان التعاون الاقتصادي يمثل القاعدة والمنطلق لتوفير الرخاء والازدهار لمواطني مجلس التعاون عبر إيجاد شبكة من المصالح المشتركة والمتبادلة فإن تنمية قدرة دفاعية ذاتية وفاعلة لردع أي اعتداء محتمل على دولنا يشكل ضرورة قصوى لا يجوز التقليل من أهميتها أو الاستهانة بها وهذا الأمر كما هو معروف يتطلب منا جميعاً التحرك بكفاءة وحزم في اتجاه النهوض بقدرات المجلس الدفاعية ليتسنى لنا مواجهة التحديات الراهنة والمحتملة. وأضاف -حفظه الله- قائلا: إن ما تم إنجازه في هذا المجال يظل محل تقديرنا إلا أنه ما زال أمامنا الكثير مما يتعين علينا بذله وتسخيره لبناء القوة الذاتية المطلوبة في إطار إستراتيجية دفاعية واحدة تضع في خدمة الأمن الخليجي كل ماهو متوافر لدينا من قدرات بشرية ومادية وإذا ما أردنا لقوتنا العسكرية أن تكون فاعلة ومثمرة فإن من الضروري أن تستند هذه القوة على إرادة سياسية ورؤية مشتركة وموقف موحد إزاء كيفية التعامل مع الأحداث والتطورات المحيطة بنا. كشف مواطن الضعف ودعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى تسريع الخطى واستجلاء مواطن الضعف والخلل في مسيرة المجلس، مؤكدا أن مجلس التعاون مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى لإثبات وجوده وإشعار مواطنيه بالمكاسب والفوائد التي تعود عليهم من مثل هذا التجمع في مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والأمنية وإشعار المواطن الخليجي بالإجراءات التنفيذية التي تم أو يتم اتخاذها وأن لا تقتصر جهود قادة دول المجلس على البيانات والتصريحات فقد حان الوقت لنجعل من هذا الكيان قوة فاعلة ورافداً للخير والنماء تتفيأ ظلاله دولنا وتنعم بثمراته شعوبنا ومنطقتنا. وفي الدورة الثانية والعشرين التي عقدت في العاصمة العمانية مسقط في الخامس عشر من شهر شوال 1422ه الموافق 30 ديسمبر 2001م واصل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز «ولي العهد آنذاك» الاهتمام بقضايا الأمة الخليجية وحمل همومها إلى تلك القمة حيث شخص -حفظه الله- في كلمته أمام القمة الداء واقتراح الدواء وقال أيده الله «إن الداء الذي لا أظننا نختلف على طبيعته هو الفرقة القاتلة التي أبعدت الجار عن جاره ونفرت الشقيق عن شقيقه». ورأى حفظه الله أن الدواء يكمن في الوحدة التي تعيد الجار إلى جاره والشقيق إلى حضن شقيقه. ويقول الملك عبدالله بن عبدالعزيز في هذا السياق «إن الوحدة الحقيقية لا تنصب على الشكليات ولكنها تقوم على مشاريع اقتصادية مشتركة تنظم من أقصاها إلى أقصاها وعلى مناهج دراسية واحدة تنتج جيلاً شاباً مؤهلاً لتعامل مع المتغيرات وعلى قنوات عربية وإسلامية تستطيع معالجة مشاكلنا». وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز واضحاً وصريحًا وهو يطرح القضايا الملحة أمام إخوانه قادة دول المجلس لمعالجتها وتسريع خطوات المجلس في تحقيق الوحدة والتعامل بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات وصراحته تلك تنبع من حرصه أيده الله على تحقيق الأهداف التي أنشئ لأجلها المجلس. ويقول حفظه الله في هذا السياق «إننا لا نخجل من القول: إننا لم نستطع بعد أن نحقق الأهداف التي توخيناها حين إنشاء المجلس وما زلنا بعد أكثر من عشرين سنة من عمل المجلس نسير ببطء لا يتناسب مع وتيرة العصر والإنصاف يقتضي أن نقرر أن دول المجلس استطاعت تحقيق إنجازات طيبة يجيء في مقدمتها حل الأغلبية الساحقة من القضايا الحدودية المعلقة الآن وجزء يسير يذكرنا بالجزء الكبير الذي لم يتحقق فلم نصل بعد إلى إنشاء قوة عسكرية واحدة تردع العدو وتدعم الصديق ولم نصل بعد إلى السوق الواحدة ولم نتمكن بعد من صياغة موقف سياسي واحد نجابه به كل الأزمات السياسية».