كانت هذه البلاد – رعاها الله – وما زالت وستظل بإذن الله أنموذجاً للوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد بكل تشكيلاته القبلية والمذهبية والمناطقية. ولن تؤثر الاحداث الفردية العبثية الصبيانية التي تحدث بين الفينة والاخرى هنا وهناك، كحادثة الإحساء مثلاً على الرغم من بشاعتها وشناعتها التي آلمتنا جميعا، أقول: لن تؤثر مثل هذه الحوادث المؤسفة على لحمتنا الوطنية ولن تنال من نسيجنا الاجتماعي المتجانس. ففي كل مرة تطل فيها رأس الفتنة أو ينبعث غبار الحقد أو تهب فيها اعاصير الشرور والآثام، يثبت فيه أبناء المملكة العربية السعودية أنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى. لقد هب الجميع حكاما ومحكومين لمواجهة الموقف بكل شجاعة وثبات ورباطة جأش وقوة وحكمة لاطفاء الحريق والسيطرة عليه، والتخفيف من آثاره لينهض المجتمع من جديد وليشارك بعقول منفتحة وسواعد قوية في بناء وطنه ودفع عجلة التنمية فيه حتى تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. إن الأجيال الجديدة التي تنعم بهذه الوحدة دون عناء ينبغي لها أن تدرك أن هذه الوحدة لم تكن لتتحقق لولا جهود الرجال المخلصين، بقيادة الامام المؤسس - رحمه الله - ومن بعده من قادة البلاد وعلماؤها ورجالها الافذاذ في تذليل الصعوبات وقهر الظروف لتحقيق هذا الهدف الكبير - وحدة العقيدة والارض والانسان - . إننا مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بنشر لغة التسامح والحوار فيما بيننا كأفراد وجماعات، وأن نشعر أبناءنا بأن هذا الوطن للجميع ويتسع للجميع. فكل من يعيش على هذه الارض الطيبة له الحق في المشاركة في بناء مستقبل الوطن وحضارته وان كل منا عليه واجبات وله حقوق. فكلما استلمنا هذا الوطن من الاجداد موحداً شامخاً واستمتعنا بخيراته، ينبغي أن نحافظ عليه ونسلمه للأجيال التي بعدنا سليماً معافىً. إن فقدان الامن لا سمح الله ستصيب شظاياه الجميع ويكتوي بناره الصغير والكبير ولنا فيمن حولنا دروس وعبرة. وعند اشتعال حريق الطائفية - لا قدر الله - لن يفرق بين سني وشيعي وسلفي وصوفي، بل سيلتهم الجميع وحينها نفقد الأمن ونعض مثل غيرنا أصابع الندم – حينما نستيقظ ونعي الدرس ولا ينفع حينها الندم. ينبغي على عقلاء السنة والشيعة كل في موقعه الاخذ على أيدي السفهاء وحث الاتباع وتعليم الجهال وتنبيه الغافلين بأن الوطن خط أحمر لا ينبغي لكائن من كان تجاوزه أو التعدي عليه. أختم حديثي بالتأكيد على أن كل المخلصين يرون أن التعايش السلمي ضرورة أمنية ومصلحة وطنية بل واجب من الواجبات الشرعية. وانه ينبغي لكل أطياف المجتمع العمل الجاد الدؤوب لتعزيز وترسيخ هذا التعايش. حفظ الله وطننا من كل مكروه وأدام علينا وحدتنا وأمننا واستقرارنا، في ظل الشريعة السمحة والقيادة الراشدة، إنه سميع مجيب.