خلُصَ المتحدثون في مؤتمر مركز عصام فارس للشؤون الللبنانية "أزمة تكوين السلطة: ربع قرن على اتفاق الطائف" يوم الأربعاء، إلى التأكيد على "أهمية الطائف وما ورد فيه لجهة التمسك بالميثاقية والعيش المشترك". ولفتوا إلى أن "الطائف طُبقَ انتقائياً في المرحلة السابقة ولذا لا بد من تنفيذ كامل مندرجاته بتجرد، خاصة وأنَّ بنود الطائف وضعت أساساً في شكل متكامل"، مشددين على "تمسك اللبنانيين بالحياة الواحدة فيما بينهم والتي سبقت نشوء الدولة اللبنانية". شلل وتعطيل بداية كانت كلمة ترحيبية لراعي المركز الرئيس عصام فارس، شدد فيها على أن "الوضع المأساوي الذي يشهده جوارنا العربي نتيجة الصراعات الإقليمية والدولية، يطرح علينا تحدياتٍ خطرة كبرى، تستوجب منا أعلى درجات اليقظة والتكاتف والتعاون". وقال: "لمن المؤسف أن نرى النظامَ السياسي في لبنان يشهد منذ سنوات شللاً وتعطيلاً لعمل المؤسسات الدستورية، وتراجعاً في إنتاجيتها، وخلافات حول تفسير الدستور، ما يؤدي إلى اللجوء إلى مراجع خارجية لحل أزماتنا، بدل أن نستنبط حلولاً داخلية، من صلب ميثاقنا وعيشنا الواحد وتراثنا الديموقراطي". انهاء حرب وافتتح الوزير محمد المشنوق المؤتمر ممثلاً رئيس الحكومة تمام سلام، مشيراً إلى أنه "بعد ربع قرن على اتفاق الطائف، بعض الانتقادات تتحدث عن قصور في نصه ظهر في الممارسة العملية وهو يستحق النقاش، خصوصاً وأن الممارسة السياسية اصطدمت في محطات كثيرة بعقبات أعاقت العمل الدستوري وأعادها كثيرون إلى ثغرات في نصوص الطائف، أبرزُها ما يتعلق بصلاحياتٍ لرئيس الجمهورية وبالمهل الدستورية والاشكالات الميثاقيّة". وشدد على أن "الطائف كان تسوية وضعت حداً لحرب دامت خمس عشرة سنة، واذا كان يحوي "عللاً" تحتاج الى علاج، فإن الشروع في هذا الامر يحتاج الى توافر شرطين: أولهما تطبيق ما تم تجاهله حتى الآن من بنود الاتفاق، وثانيهما إنجاز التسوية السياسية الداخلية في صيغة دستورية قابلة للحياة". وختم: "بأن هذه التسوية اذا تحققت يمكن أن تفتح باب الحوار الديموقراطي المفضي الى معالجة هادئة وعقلانية لكل مشاكلنا الوطنية". الندوة الأولى وأدارت الإعلامية بولا يعقوبيان الندوة الأولى وشارك فيها كل من النواب: إيلي الفرزلي، ياسين جابر عمار حوري، حيث أكد الفرزلي أن "العلة الحقيقية هي أن النخب الإسلامية السياسية تعمدت في التسعينات وتحت الرعاية السورية أن تفشل في تطبيق الطائف، لانها رأت أن الوقت مناسب للانقضاض والإستيلاء على المارونية السياسية ومراكزها في النظام، مستعرضاً الخطوات في هذا الإطار منذ زيادة عدد النواب عن الذي اتفق عليه في الطائف إلى قوانين الانتخاب غير العادلة وشل المجلس الدستوري وغيرها". ودعا إلى "تطبيق الطائف في شكلٍ سليم وإلا فإنه لن يبقَ طائف"، مشدداً على أن "عهد استيلاد التمثيل المسيحي في كنف الكيانات المذهبية الأخرى قد انتهى"، موضحاً أن "الميثاقية الحقيقية تكون في الحفاظ على الشركاء في الوطن خاصة في هذه الظروف الصعبة". من جهته، اعتبر جابر أن "المشكلة الاساسية التي اعاقت النجاح في بناء نظام سياسي مستقر في لبنان هي ان بنود اساسية من اتفاق الطائف لم تنفذ ولم يجر الالتزام بها". وقال: "على صعيد النظام الداخلي للمجلس النيابي، فنحن بحاجة الى تعديلات تساعد على تفعيل الحياة النيابية وتحد من القدرة على تعطيل العمل التشريعي والرقابي والانتخابي لهذا المجلس". أما النائب حوري، فشدد في مداخلته على "الجانب الميثاقي في اتفاق الطائف الذي لا يجوز المساسُ به تحت أي ظرف من الظروف"، متحدثاً عن "نقاط ميثاقية في "الطائف" لا يجوز المساس بها وهي "نهائية لبنان الأرض والشعب والمؤسسات ككيان، عروبة لبنان، النظام الجمهوري الديمقراطي البرلماني، الشعب مصدر السلطات يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنِها وتعاونها، النظام الاقتصادي الحر، الإنماء المتوازن، الغاء الطائفية السياسية، وحدة الارض والشعب، ولا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". ورأى أن "سوء تطبيق البعض للجانب الميثاقي من اتفاق الطائف لا يعيب الاتفاق بل يكشف عجز هذا البعض عن الارتقاء الى مستوى الوطن وثوابته الميثاقية". التمسك بالشراكة وأدارت الإعلامية والصحافية نجاة شرف الدين الندوة الثانية، وشارك فيها كل من الوزير سجعان قزي، الكاتب صلاح سلام، ووسيم منصوري، حيث شدد قزي على "تمسك المسيحيين بشراكة الحياة الواحدة مع المسلمين لأن خيار المسيحيين هو الدولة والكيان ولبنان الواحد الموحد حتى في ظل التفكك الذي يحصل في المنطقة"، داعياً في المقابل المسلمين إلى "ألا يسمحوا لخرق الطائف بأن يعكر صفو هذه الشراكة". ورأى أنَّ "اتفاق الطائف كان تسوية للدور السوري أكثر من كونه تسوية داخلية"، قائلاً: "إذا كان الخيار بين الطائف واللاشراكة فإن خيار المسيحيين هو مع تطبيق الطائف حرصاً على الشراكة". ولفت إلى "أهمية مشروع بناء الدولة المتوازنة والمؤسسات وهذا ما لم يحصل في خلال سنوات ما بعد الطائف"، داعياً إلى "عدم التوهم بأن استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية ستعيد له دوره في ظل عدم بناء دولة". ورأى صلاح سلام ان "دستور الطائف لم يطبق، لا نصاً ولا روحاً، رغم مرور ربع قرن على اقراره". وأقر سلام بأنه قد تكون هناك حاجة ل "بعض التعديلات هنا أو هناك، سواء بالنسبة لصلاحيات الرئيس أو في مواقع أخرى". وأكد منصوري أن "الممارسة السياسية اللاحقة لإتفاق الطائف، والخلل في التمثيل السياسي للطوائف المسيحية نتيجة إبعاد الأقطاب المسيحية عن الساحة السياسية آنذاك أو اعتكافها أدى إلى بدء خلل فعلي في التمثيل السياسي المتمثل في مجلس الوزراء". الندوة الثالثة وأدار مدير عام مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية عبدالله بو حبيب هذه الندوة، وشارك فيها كل من الوزير السابق بهيج طبارة والنائب مروان حمادة، والوزير السابق سليم جريصاتي. ولفت طباره الى ان "الطائف أدخل على الدستور عبارة تصريف الأعمال، مضيفا انه كان من حظ الرئيس ميشال سليمان او من سوء حظه ان سجَّل عهده رقماً قياسياً من فترات تصريف الأعمال، استغرق تقريباً نصف مدة الولاية". ورأى ان "المعالجة الصحيحة لهذا الوضع هي في التصدي للأسباب الداخلية للشرخ القائم انطلاقاً مما نص عليه اتفاق الطائف". وشدد حمادة على أن "الازمة الحقيقية التي نتحدث عنها في تكوين السلطة بعد الطائف هي ازمة عدم تكوين السلطة بتاتاً في قسم من الاصلاحات وتغليب اجزاءٍ منها على المكونات الاخرى في القسم المنفذ منها"، مؤكداً ان "التخاذل" "في تطبيق الاصلاحات التي اقرها الطائف لا يحاسب عليها نص ابتكر الكثير من الاصلاحات، بل للذين اختطفوه او للذين عطلوه، داعيا الى العودة الى اتفاق الطائف، الى توازناته الصحيحة فلا نسقط الهيكل على رؤوسنا جميعاً". ولفت جريصاتي الى ان "الوصاية السورية المباشرة على لبنان اتت من الفراغ الدستوري الذي اشرنا اليه في موقع التحكيم، والحاجة الحتمية الى سدّه، داعياً الى أن "يكون رئيس الجمهورية هو القائم بدور المحكّم المفقود والمنشود والضابط ايقاع عمل المؤسسات الدستورية وانتظام الحياة العامة".