حين تُطل الأزمة نحس أننا انتقلنا من دائرة الضوء الى دائرة الظلام, يتسلل الضيق إلى صدرونا والدموع إلى اعيننا ونُحس في لحظة ضعف أن جميع حبال السفينة التي تُقلنا تقطعت وأضحينا نقطة وسط الطوفان الكبير!! يسخط بعضنا على قدره ويتعجب البعض من وقوع الأزمة به, ولا يعلم أن الدنيا تتقلب بنا كما يتقلب بنا الليل والنهار. لكن نغفل أحيانا أن الازمات تُطهر رجسنا وتصوب خطأنا وتحفز في دواخلنا المراجعة وتكشف لنا الكثير من الملفات السرية والمهملة التي لا نُريد ان نُطل في أعماقها الا حين الانكسار والخيبة والضعف والهزيمة. ففي نشوة الانتصار والقوة نكون أقرب إلى العلو والاعزاز المصحوب برد الحق وقدر من الطغيان والتعالي على النصيحة والنظر في الاحوال والأفعال!! ((كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)). ما أجمل الازمات التي تجعلنا نُولد من جديد حيث يمن الله علينا بتغيير عميق, نكتشف فيه أننا تأخرنا كثيراً في هذه المراجعات والتأملات. فثمة جمال يعتري وجه الازمة المظلم حيث تُوقظ النائم وتُعدل المائل وتُحفز المقصر وتعيد التوازن للمغتر والمندفع فوق امواج الحياة فحين تُطل الأزمة فلا يزيد خوفك منها فقد يكون التمكين بعد هذه الظروف الخانقة والاجواء المشحونة وتعلم بعد ذلك ان الله كان يريد أن ينقلك من طريق نهايته لا تليق بك الى طريق آخر هو خير وأبقى. فالكثير من الحكماء تعلموا في مدارس الأزمات والكثير من القادة والمكافحين والعظماء برزوا بعد أن تجاوزا الأزمات بدروس مستفادة وعبر عظيمة وأفكار جديدة وواقع متغير للأفضل والأحسن والأجمل. حين تحل الأزمة بك فحاول أن ترى ذلك الجزء المضيء في نهاية النفق ففيه رسالة من الله لك فتفكر بهذه الرسائل التي تخصك أنت فقط, وسوف تعلم أن مفتاح الخروج من الأزمة في جيب معطفك وهو قريب منك فلا تبحث عنه بعيداً. ولا تندب حظك العاثر أو تحاول أن تتمرد على قدرك أو تحاول إسقاط الأمر على الآخرين من حولك بل تأكد أن هذه الأزمة طرقت بابك لمصلحة بعيدة المدى وإن كنت ترى غير ذلك. ولا تنس أن الكثير من الفرص ولدت من رحم الأزمات والكثير من النجاحات خرجت من ركام الفشل وان الابتلاء يطهر المؤمن ويقوي عوده ويجعله يخلع ثوب الماضي المرقع بالعيوب والأخطاء والظلم ويرتدي ثوب الحاضر المرصع بالتوبة والمراجعة والعودة إلى طريق النقاء والحق والأمن والإيمان والتجرد.