من المعروف أنّ لوسائل التواصل الاجتماعي دورا مهما وفعالا في تعزيز الأمن الفكري لدى فئة الشباب، وإبعادهم عن الإرهاب الفكري الذي تتعرض إليه هذه الفئة كثيراً فكيف يكون ذلك؟، وما السبل الحقيقية التي من شأنها أن تعزز من استثمار وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها في توعية فئة الشباب أنفسهم لفئة الشباب بمخاطر الأفكار المنحرفة؟، ولماذا لا يتم استخدام الطرق والوسائل الفكاهية والطريفة في سبيل إيصال الأفكار للشباب بدلا من طريقة الإملاء والفرض عليهم؟، تساؤلات مطروحة في ظل التحقيق التالي. تعزيز الأمن الفكري بداية يؤكدّ الأكاديمي د. عبدالرحمن العلي أنّ مواقع التواصل الاجتماعي باتت عنصرا مهما ورئيسيا في زماننا هذا، يستقبل من خلاله شبابنا بجنسيهم الذكر والأنثى شتى أنواع الفكر السياسي والاجتماعي والترفيهي والديني والتعليمي، ولما لكل ذلك من سلبيات قد تحصل في حال تمّ استغلال ذلك لتضليل المعلومة والغاية المبيتة غير السليمة، فإنّهم يتحولون الى أهداف من قبل جهات إرهابية محلية ودولية، وإن هذا الأمر أصبح هاجسا وهما دوليا ليس فقط لدينا بل تعاني منه أغلب دول العالم، مشدداً على أنّ هذا ما يدفعنا إلى تعزيز الأمن الفكري إذ إنّ الفكر لا يواجه إلا بفكر فيتم مواجهة الإرهاب الفكري بالوقاية قبل العلاج، وألا يكون اهتمام الأمن مقتصرا على حماية الأرواح والأموال فقط وإهمال الاهتمام بأمن العقول والأفكار، لذا فإنّه لا بدّ من أن تتضافر جميع جهود المؤسسات الحكومية والخاصة الدينية والتربوية والتعليمية والاجتماعية والرياضية والأمنية والإعلامية لنشر وترسيخ الأمن الفكري، وتحصين شبابنا من الأفكار الدخيلة الهدامة والتشددية، مؤكداً أنّ الحاجة لتعزيز الأمن الفكري تعدُّ ذات أهمية وعنصرا ذا أولوية في عصرنا الراهن، بل هو تحدٍ عالمي يواجه الأمم جميعها ومرحلة لا يمكن تجاوزها عند إدارة مواجهة المخاطر العالمية المتعلقة بالاضطرابات الأمنية أو المواجهات الإرهابية، منوهاً إلى أنّ الأمن الفكري يتمثل في النشاطات والتدابير والجهود المشتركة بين مؤسسات الدولة والمجتمع لتجنيب الأجيال والمجتمعات شوائب عقدية أو فكرية أو نفسية تكون سبباً في تطرف السلوك والأفكار والأخلاق والقناعات عن جادة الصواب. وعن السبل الحقيقية التي من شأنها أن تعزز من استثمار وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها في توعية فئة الشباب، يرى العلي أنّ لوسائل التواصل الاجتماعي دورا مهما وفعالا في تعزيز الأمن الفكري لدى فئة الشباب، وإبعادهم عن الإرهاب الفكري الذي تتعرض إليه هذه الفئة، وذلك من خلال استقطاب الشباب إلى مواقع توجد لهم الجواب على كل ما لديهم من أسئلة عامة وخاصة تدار من قبل متخصصين في شتى المجالات، خلافاً لمواقع متخصصة لمتابعة أغلب مواقع التضليل، وتقوم بتوضيح الشائعات والملابسات في جميع قضايا الشبهات التي تنشر، بحيث تكون هذه المواقع كمراجع موثوقة للعامة مع وضع مواد حول الوقاية من الإرهاب توضح كيف يمكن للشباب تحصين أنفسهم من مواقع الإرهاب والتطرف، ومعرفة السبل الناجحة للوقاية منها والإبلاغ عنها، مشدداً على أنّه من المهم أن يتم المتابعة والبحث عن جميع المواقع المشبوهة، وإغلاقها خلافاً عن إيجاد مواقع للتبليغ عن أي موقع مشتبه به، بحيث يتم تشجيع الجميع على الإبلاغ عن هذه المواقع وتكون هناك مكافآت تشجيعية لمن يقوم بالإبلاغ عن أي مواقع ذات فكر تضليلي، منوهاً إلى ضرورة الاستفادة من المتخصصين في مجال مواقع التواصل الاجتماعي، واشراكهم في عملية تعزيز الأمن الفكري والبحث عن سبل من شأنها أن تعزز من استثمار وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدامها في توعية فئة الشباب أنفسهم لفئة الشباب بمخاطر الأفكار المنحرفة والتيارات السياسية والدينية المتطرفة والتي تهدف إلى خلخلة مجتمعنا وزعزعة أمن الوطن، مناشداً ولاة الأمر بضرورة تشكيل (هيئة وطنية لحماية الأمن الفكري بالمجتمع) بشكل عاجل، فنحن بحاجة ماسة لذلك على أن تتكون من جميع مؤسسات الدولة المعنية مثل وزارة الداخلية والتربية والتعليم والثقافة والاعلام والرئاسة العامة لرعاية الشباب، للقيام بورش العمل والدراسات والأبحاث وتنفيذ برامج ونشاطات وإرشادات بصورة مستمرة على مدار العام دون انقطاع، لتشمل أيضاً الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والمحافل الرياضية والمهرجانات بالمناطق والمحافظات، بالإضافة إلى الإعلام المقروء والمسموع والمرئي لتحقيق الأمن الفكري، مؤكداً على أهمية أن تكون هناك غرفة عمليات مشتركة تؤمن جميع الوسائل والإمكانات، كما أنّ عليهم استخدام جميع الطرق والوسائل والأساليب، وابتكار أساليب جديدة بما فيها الوسائل الفكاهية والطريفة في سبيل إيصال الأفكار للشباب بدلا من طريقة الإملاء والفرض عليهم. دور الإعلام من جانبه يؤكدّ الخبير الإعلامي أحمد العباسي، أنّ دور الإعلام في الأمن الفكري يعتبر كبيراً وحيوياً، فالإعلام أصبح يسيطر على الساحة إعلامياً وهو الذي ينقل الأفكار وينقضها في نفس الوقت. وإذا كان الإعلام ينقل الأفكار الحسنة فلا مشكلة في ذلك ولكن المشكلة تكمن في نقل الأفكار المدمرة بأي شكل من الأشكال سواء كان تدميراً فكرياً أو سلوكياً، مشيراً إلى أنّ الدور الذي ينبغي أن تقوم به المؤسسات الإعلامية في الأمن الفكري هو التعريف بالفكر الصحيح الذي يوجه الشباب التوجيه السليم الذي يخدم بلادهم، وفضح الفكر المنحرف الذي يتوغل إلى نفوس الناشئة، وخاصة إذا لبس هذا الفكر لبوس الدين وجعلهم ينحرفون عن المسار السليم وعن الفكر الديني الصحيح إلى الفكر المنحرف، مؤكداً أنّ الفكر المتطرف والمنحرف لا يكون واضحاً لكل أحد وفي كل وقت إذ لا يملك ذلك إلا المؤهلون القادرون على ذلك، مهيباً بأهمية رسم استراتيجية واضحة وقوية لتنمية ودعم الأمن الفكري لتتحقق طموحات الدولة في توفير الأمن والمسارعة في وضع الإجراءات الوقائية، ومتابعة المتغيرات والصراعات الخارجية إقليمياً وعالمياً مصحوبة بالجاهزية والاستعداد لعلاج المشاكل والأزمات التي تهدد الأمن الوطني. ولذلك فإنّ الحاجة للأمن الفكري تزداد وتستوجب الاهتمام في مثل هذا الأمر، حيث إنّ المجتمعات المعاصرة تعاني دون استثناء ظواهر الغلو والتطرف والذي بات يهدد الضرورات الخمس، مؤكداً أنّ السعي لنشر مفهوم الأمن الفكري وترسيخه لا يتنافى مع حق الإنسان في التفكير وأنّ الجهد الأمني ليس كافياً وحده للحد من ظواهر الانحراف في الفكر، وأنّ إشاعة الفكر الآمن عامل أساسي لتعزيز الوحدة والتماسك داخل المجتمع. وعن السبل الحقيقية التي من شأنها أن تعزز من استثمار وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها في توعية فئة الشباب، يؤكدّ العباسي على أهمية التوظيف الأمثل لوسائل الإعلام واستثمار وسائل الإعلام الجديدة لنشر الفكر الآمن والتحذير من الفكر المنحرف، على أن تأخذ في الاعتبار مراعاة ضوابط العمل الإعلامي ووسائله وتقنياته، بما يخدم سلامة النشأة الفكرية لأبناء البلاد وحمايتهم من التأثيرات السلبية للفكر المنحرف بمختلف أشكاله، مع ضبط وتقنين الإعلام الترفيهي ليسهم في بناء عقل سليم قائم على العمق وليس السطحية، منوهاً على ضرورة التأكيد على تبني آليات فعالة في التأصيل لثقافة الحوار البنّاء والجدل بالحسنى وإيجابيات ومتطلّبات الانفتاح، والتفاعل الرشيد مع الثقافات المختلفة وكذلك الاستفادة من وسائل الإعلام الجديدة في نشر فكر الاعتدال وتأسيس مواقع تفاعلية في الجامعات والمؤسسات التربوية يقوم عليها مختصون تخاطب الشباب وتبني أفكارهم على أسس سليمة تعالج ما يطرأ من أفكار خاطئة، وتشجيع الشباب ودعمهم على نشر المقاطع والأفلام الفكاهية والترفيهية التي من شأنها أن تسهم في مكافحة الفكر المتشدد فالشباب يميلون كثيراً إلى مثل هذا النوع من الإعلام، وكذلك يجب العمل على تبني وتطوير الكوادر الإعلامية الشبابية في مواقع التواصل الاجتماعي، والذي من شأنه أن يخدم مكافحة الأفكار المنحرفة. الكتاب والمثقفون أما الكاتب والباحث في الشؤون الاجتماعية أ. حسين القاضي، فإنّه يرى أنّه يمكن الحد من حماية الشباب من الارهاب الفكري الذي يتحول الى ممارسة حقيقية على أرض الواقع، بمنع من يحملون هذا الفكر من بعض المشايخ وأدعياء العلم من الكتابة إذا أمكن ذلك من الكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعتهم، وأهمية تشجيع المعتدلين فكرياً من الكتاب والمثقفين بالكتابة وتقييد الآراء المتطرفة وتوضيح التدين المعتدل، مؤكداً أنّ جذوره ليس من السهل اقتلاعها ومن هنا فإنّه يجب أن يساعد المسؤولون عن هذه المواقع في منع نشر هذه القنوات، طالما بات هناك إجماع من قبل الكثير من الجهات على محاربة هذا الفكر المنحرف. وحول السبل الحقيقية التي من شأنها أن تعزز من استثمار وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها في توعية فئة الشباب، يرى القاضي، أنّه يجب التوضيح للشباب من يقف وراء هذه الجماعات المتطرفة ودعمهم مادياً واعلامياً، وما هي أهدافهم الدينية بتمزيق وحدة المسلمين واستغلالهم من قبل الحكومات الاجنبية والاستعمارية، لتنفيذ مخططهم بتقسيم الوطن العربي والاسلامي واستغلال ثروات بلادهم وبقاء التخلف والجهل والفقر والامراض بدلاً من النظر لمسقبلهم، مؤكداً على أهمية استغلال مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق نشر وحشية هذه الجماعات في القتل والتعذيب والاغتصاب وغيرها من الجرائم باسم الدين، ولا مانع من نشر بعض الفديوهات الفكاهية عنهم والتندر عليهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. آراء الشباب وفي سياق متصل يرى المحامي والقانوني أ. خالد العبدلي أنّ الحاجة ماسة لتعزيز الأمن الفكري عبر كافة الوسائل الممكنة، ومن هنا فقد صدر نظام الجرائم المعلوماتية بالمرسوم الملكي رقم: م /17 وتاريخ 8/3/ 1428 ه والنظام يسعى بمواده للحد من تلك الجرائم المرتكبة بوسائل التواصل الإجتماعي، مهيباً بأهمية وضرورة استثمار وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها في توعية فئة الشباب أنفسهم بمخاطر الأفكار المنحرفة، واستثمار أوقات التواصل قي تنمية الشخصية والكفاءة البشرية وزيادة الطاقة الإنتاجية بالأنشطة التطوعية والتوعوية، مؤكداً على أهمية أن يعبر الشباب عن آرائهم وفق الأسلوب المناسب الذي من شأنه أن يحدث التأثير الفاعل والمباشر شريطة ألا يخرج عن قاعدة الثوابت والأخلاق العامة، منوهاً إلى أنّ الفكاهة هي جزء أساسي من الحياة اليومية وليست كل الحياة فهي مطلوبة في مواضع ومنهي عنها في مواضع أخرى. التواصل الاجتماعي وعلى الصعيد نفسه يعتقد الكاتب الصحفي خالد الوحيمد أنّ النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يعدّ من الأمور الثابتة، فهناك من يستطيع الوصول إلى الجمهور لكنّه لا يكون عنصراً إيجابياً في التأثير، وهناك من يفسد على الآخرين أفكارهم، فهناك مواقع تفيد المجتمع ومواقع على النقيض منها، مشدداً على ضرورة تعزيز دور الشباب في بناء المجتمع وأخذ رأيه واعطاء مساحة من الحرية فهو الحل الجذري بدلا من التهميش الذي يؤدي إلى التطرف، منوهاً إلى أنّ هناك العديد من الوسائل التي من شأنها أن تعمل على كبح الفكر المنحرف من ضمنها المقاطع المضحكة والفكاهية التي تجسد واقع مثل هذه التيارات. ومن هنا يجب تعزيز البنية التحتية وبناء مؤسسات تخدم الشباب وتضمن حقوقهم الانسانية قبل الوطنية، ولا بدّ للشباب من جدية العمل بعد تعزيزه بدراسة علمية.