يعتقد البعض أن العنف الموجه ضد المرأة سواء عنفا لفظيا أو بدنيا أو سلبا للحقوق أو منعها من التمتع من كافة الحقوق الوطنية كمواطنة جاء من فراغ، ولكن في الحقيقة هو ناتج عن اضطراب في سمات شخصية البعض تمت تغذيته اجتماعيا. اليوم كما هو متعارف عليه في الاصطلاح العالمي أن هناك في المجتمعات فئات أولى بالرعاية والاحترام كونهم الأضعف ككبار السن والأطفال والنساء، وذلك لأن سماتهم الجسدية والنفسية تجعلهم يختلفون عن فئات الرجال الراشدين ذوي السطوة والبناء الجسدي القوي والمدعومة ذكوريته اجتماعيا، ولذلك ليس من المستغرب أن نرى تلك الفئات أكثر تضررا أمام أي عنف أو سلب للحقوق وإلغاء حقوقهم في ممارسة إنسانيتهم. هذه الفئات من ممارسي العنف موجودة في كل المجتمعات الإنسانية دون استثناء، لكنهم يكونون أكثر سطوة وحضورا في المجتمع الأقل صرامة في تطبيق قوانين الحقوق والواجبات، فكلما خفت أو حدث وهن في الأخذ على يد هؤلاء بالقانون تتعالى أصواتهم ويكثر حضورهم. المرأة على سبيل المثال في مثل تلك الحالات عندما تعاني من سوء العشرة والعنف ضدها بكافة أنواعه ومنعها من ممارسة حقوقها الوطنية كمواطنة تحاول أن تدق كافة الأبواب لمساعدتها وإنقاذها من هذه المعاملة الإنسانية وإذا تعذرت كافة الحلول الأسرية والمجتمعية التوافقية تلجأ للقضاء لطلب الخلع أو نظرا لسوء العشرة وهنا تبدأ المشكلة الحقيقية خاصة عندما نكتشف أن من أوصلها لهذا الطريق هو التعنت والقسوة وحب التملك والاضطهاد من قبل شريك حياتها. لكننا نتحدث عن هذا الزوج فهناك حلقة مفقودة قد لا ينتبه لها القضاة أو متخذو القرار والمصلحون وهي أن ذلك الرجل لم يقم بمثل هذه الأفعال المثيرة للتساؤل والمخالفة للشهامة والتسامح والرجولة إلا بدافع قد يكون خارجا عن إرادته وهو معاناته من إحدى اضطرابات الشخصية (15) المصنفة عالميا وهذه الاضطرابات ليست أمراضا نفسية أو عقلية يمكن تشخيصها لوجود أعراض واضحة مرضية لكنها خلل في سمات الشخصية تؤثر على التفكير والسلوك عند الشخص.. قد يكون شخصية اضطهادية متشككة أو سيكوباتية مضادة للمجتمع أو ذات نمط فصامي أو شخصية سادية أو سلبية عدوانية... إلخ. من أنماط الشخصية المضطربة ومثل هؤلاء الأشخاص يظهرون من الوهلة الأولى أنهم في مستوى أخلاقي وقيمي عال وأنيقي الملبس ولبقي الحديث ومرموقين اجتماعيا ولكنهم في الحقيقة بعد فحصهم على يد ذوي الاختصاص ودراسة سيرتهم الحياتية نكتشف أنهم يعانون من إحدى تلك الاضطرابات أو أكثر من اضطراب. وبرغم استحالة العشرة الزوجية والرغبة في طلاق ناجح من الطرف الآخر إلا أن اؤلئك يستمتعون ويقاتلون من أجل أن لا يكون ذلك ليس للحرص على الحياة الزوجية بل لأن الدافع هنا شخصيتهم المعتلة حيث يعتقدون أنه نوع من الإهانة والتعدي على كبريائهم وبرجوازيتهم ونرجسيتهم. أعتقد إذا لم ننتبه لمثل هذه الأمور في حالات طلب الخلع بسبب سوء العشرة فإن محاكم الأحوال الشخصية ستجد نفسها أمام قضايا تأخذ وقتا طويلا وقد تكون معقدة وتستنزف الكثير من طاقة ونفسية المرأة وقد يؤدي بها للاكتئاب أو محاولة الانتحار أو بعض الاضطرابات الأخرى ذات العلاقة إلى جانب ما قد ينعكس ذلك على الأبناء. وأرى أن تتبنى المملكة الفحص النفسي قبل الزواج جنبا لجنب مع ما هو معمول به حاليا من فحوص تتم قبل الزواج حتى وإن كانت اختيارية بطلب من الزوجة أو الزوج، حتى لا يقع الفأس في الرأس وتكون لدينا أسر متفككة اجتماعيا ينعكس سلوكها على استقرار البلد بأسره. وان تزود محاكم الأحوال الشخصية بمكاتب للتقييم النفسي والعقلي. * خبير في علم النفس السلوكي المعرفي