تعلو وظيفة الأستاذ الجامعي فوق الوظائف والمهن الأخرى؛ لأنه يعد المنبع الأساس لأي حركة تنموية، فهو صانع الأجيال وبالتالي صانع المجتمع. ويقتدي به طلابه ويستفيد منه المجتمع داخل وخارج الجامعة. ويشكل الأستاذ الجامعي الرؤى السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمجتمعه، لكن منذ أكثر من عقدين والجامعات الحكومية السعودية تواجه مشكلة النقص الحاد والملحوظ في الكوادر الأكاديمية السعودية في مختلف التخصصات، وذلك يعود للحوافز المالية غير المحفزة والتي لا تساعد على جذب دماء جديدة للعمل في المجال الأكاديمي، ناهيك عن ضعف الرواتب وغيرها من الحوافز المعنوية في المحافظة على أعضاء هيئة التدريس الذين غادروها للعمل في القطاع الخاص الذي يجدون فيه الحوافز المالية المشجعة. وحسب الدراسة التي قام بها الدكتور إبراهيم بن داوود الداوود في عام 2007م فقد أشارت إلى أن 2677 عضو هيئة تدريس سعودي تركوا العمل في ثلاث جامعات حكومية خلال الخمس عشرة سنة الماضية (1993-2007م)، وتشير هذه الدراسة إلى حاجة الجامعات الثلاث التي شملتها الدراسة إلى حوالي 11000 عضو هيئة تدريس حتى عام 1440ه. ولا يزال التسرب في الجامعات الحكومية مستمراً لأسباب عديدة أهمها: ضعف الحوافز المالية. ويزيد هذه المشكلة تفاقماً أن نسبة عالية من أعضاء هيئة التدريس السعوديين في سن التقاعد بينما لا يعادل هذه النسبة نمو في استقطاب وتوظيف أعضاء هيئة تدريس جدد. وقد لاحظت أن نسبة عالية من أعضاء هيئة التدريس سواء صغار السن أو من هم قريبون من سن التقاعد يتقاعدون مبكراً للعمل في القطاع الخاص، بل تستقطبهم الشركات الأجنبية للعمل معها داخل وخارج المملكة. وكما هو معلوم لدى القائمين على سياسات التعليم العالي في المملكة أن عضو هيئة التدريس استثمر سنوات طويلة من عمره في التعليم العالي؛ للحصول على أعلى الدرجة العلمية، ما يبرر حصوله على راتب محفز يعكس مرتبته العلمية وسنوات دراسته، وكذلك يعكس حرص الحكومة على توطين الوظائف الأكاديمية في المملكة، لكننا نلمس تسرب الأكاديميين السعوديين للعمل في شركات القطاع الخاص، وذلك لأنه لا تتوافر لهم في الجامعات الحكومية الرواتب المحفزة والمنافسة لرواتب الجامعات الخاصة وشركات القطاع الخاص. هذه المشكلة ليست وليدة اليوم، وإنما هي نتيجة تخطيط غير موفق يفتقر للنظرة الإستراتيجية الصحيحة في تنمية كوادر هيئة التدريس السعودية في مجال التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع. إن الإصرار على تجاهل المشكلة يزيدها تعقيداً ويخاطر بجودة وكمية مخرجات التعليم العالي في الجامعات الحكومية، بل يضعنا في موقف ضعيف أمام العالم عندما يزداد الاعتماد على كوادر هيئة التدريس الوافدة، حيث لا تستقر كثيراً في جامعاتنا لأنها تجد الحوافز المالية المغرية في الدول المجاورة. ومن المحتمل أنه سيكون تطبيق السوق الخليجية المشتركة حافزاً كبيراً يساهم في هجرة الكثير من أعضاء هيئة التدريس السعوديين للعمل في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتميز بحوافز مالية وبحثية مغرية ما يزيد من الحاجة الملحة إلى زيادة رواتب أعضاء هيئة التدريس السعوديين في الجامعات الحكومية. إن الاستثمار في أعضاء هيئة التدريس والباحثين السعوديين يعد جوهر توطين الوظائف وتنمية الاقتصاد الوطني.