«..وظيفة الأستاذ الجامعي تعلو فوق كل الوظائف والمهن الأخرى؛ لأن الأستاذ الجامعي بمنزلة الركن الأساس لأي حركة تنموية، وهو ليس فقط صانع الأجيال القادمة وإنما صانع المجتمع؛ فدوره لا يتوقف -كما يتصور البعض- على محاضرات يلقيها في صفوف جامعته، وإنما هو مشكل الرؤى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وباعثها، وربان تحولاتها، وصانع الفكر، والمؤلف، وكاتب المقالات، والمفكر، والمبدع، والطبيب، والمهندس، والخبير، والرقم الأهم في مؤسسات ومراكز أبحاث المجتمع من خلال مشاركته الفاعلة في الرأي، والبحث، والتوجيه فيها... من هنا تظهر أهمية أن تتضافر الجهود لقطع الطريق على أية هموم مالية واجتماعية وإدارية قد تقف حائلا بيننا وبين الاستفادة القصوى من قدرات وإمكانيات وخبرات وعلم علية كوادرنا الأكاديمية الوطنية».. تلكم مقطفات من مقال للدكتور خالد بن محمد الصغير بعنوان «من دفتر هموم الأستاذ الجامعي السعودي» لخصت جانبا من معاناة وواقع الاستاذ الجامعي الذي قضى ما يقرب من نصف عمره «تقريبا» في تحصيل العلم، ليجد حين عودته من تجاوزه بمميرزات وظيفية، ليبدأ الان بالبحث عنها، برغم ما اشتمله سلم رواتب اعضاء هيئة التدريس الجديد من مميزات، فيها من بدل التعليم الجامعي، وبدل الندرة وبدل الجامعات الناشئة وبدل حضور جلسات القسم والكلية، ومكافأة التميز ومكافأة الوظائف القيادية، بالاضافة الى تمديد سن التقاعد لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية. تسرب وظيفي يقول استاذ المحاسبة في جامعة الطائف الدكتور سالم باعجاجة، انه وقبل صدور سلم رواتب أعضاء هيئة التدريس الجديد، كان هناك تسرب واضح لاعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية نحو القطاع الخاص او العمل الحر، وهو ما كان في السابق يشكل مشكلة وظاهرة مؤرقة للجامعات السعودية الحكومية، تسببت في نقص الكادرالوظيفي بالجامعات الحكومية، وهي مشكلة فاقمها استمرار غياب المزايا المالية والتحفيزية، لكن وبعد تطبيق الكادر الجديد لسلم الرواتب أصبح عضو هيئة التدريس يتقاضى راتبا مجزيا، مما أدى إلى تقارب المزايا الموجودة في الجامعات العالمية مع ماهو موجود تقريبا في الجامعات السعودية، بل إن بعض التخصصات أصبح العمل فيها أفضل كثيرا من الناحية المالية عما هو عليه في بعض التخصصات الاخرى. وقال باعجاجة: ستجد ان الكادر الجديد للرواتب اشتمل على بدل التعليم الجامعي ونسبته 30%، وبدل الحاسب الآلي ونسبته 25%، وبدل الندرة الذي يتراوح ما بين 30% 50%، الى جانب بدل الجوائز العلمية، وبدل براءة الاختراع، وهذه كلها لم يكن يشملها في السابق سلم الرواتب لأعضاء هيئة التدريس، لكن ومع ذلك لازالت الجامعات السعودية تعاني من نقص في الكوادر الوطنية، وذلك بسبب هجرة بعض أعضاء هيئة التدريس من الجامعات الحكومية إلى الجامعات الأهلية، حيث إن الأخيرة عملت على استقطاب عدد من الاكاديميين من خلال الرواتب المغرية والتي تتضاعف عما يتقاضاه الاكاديميون في الجامعات الحكومية، الى جانب ان بعض الهيئات استقطبت ايضا عددا من أعضاء هيئة التدريس من الجامعات الحكومية، وسجلت كليات الطب في الجامعات السعودية على وجه الخصوص هجرة عدد من الكفاءات بسبب العروض المغرية التي قدمتها جامعات حديثة ومتقدمة خارج المملكة، مما سبب خللا في ندرة الكوادر السعودية الطبية، وهو الامر الذي دفع بالجامعات الحكومية للاستعانة بكوادر غير سعودية لتحل محل الكوادر السعودية التي هاجرت. ويضيف باعجاجة: «في الواقع إن تسرب أعضاء هيئة التدريس بعد تطبيق الكادر الجديد يعد اشكالية لابد من معرفة أسبابها، وذلك من خلال توزيع استبيانات على أعضاء هيئة التدريس اللذين تركوا الجامعات الحكومية، يتم فيها توضيح دوافع تركهم الجامعات الحكومية.. وأسباب عملهم لدى الجهات الأخرى بما فيها القطاع الخاص. تذمر واحتجاج من جانبه اكد الدكتور عبدالله القباع استاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود، بأن عمل الاستاذ الجامعي خارج نطاق جامعته ماهو الا دليل على حالة الاحتجاج والتذمر من واقعه المعيشي، وهي الحالة التي لم تخف وطأتها مع صدور سلم الرواتب الجديد للاكايميين السعوديين، وقال: «ما من شك أن أساتذة الجامعات يعدون من الفئة المتميزة في المجال العلمي والعملي، ولذا فإن تسرب البعض منهم للعمل في اماكن اخرى غير الجامعة الحكومية ماهو الا نوع من الاحتجاج على المعاملة غير المتميزة التي يلقاها الاساتذة الجامعيون. مشيرا الى أن راتب الاستاذ الجامعي مثلا لا يعادل شيئا اذا ما قورن برواتب الاخرين سواء في القطاع العام أو الخاص». واضاف القباع: «على سبيل المثال يمكن الاشارة الى تذمر بعض السعوديين المتخصصين في بعض المجالات الاكاديمية من تفضيل الاكاديمي الاجنبي من حيث المعاملة ومن حيث المميزات التي تعطى له برغم من التشابه في التخصص بين الاجنبي والسعودي، فلقد وصلني مؤخرا من بعض حملة المؤهلات العليا في المستشفى التخصصي ما يفيد بأن الموظف غير السعودي يحصل على ثلاثة اضعاف مرتب الموظف السعودي بخلاف المميزات الاخرى التي تعطى له وفي مقدمتها بدل السكن.. وهو امر ينطبق الى حد كبير على الاكاديميين السعوديين في الجامعات الحكومية، وهو السبب الرئيسي في تسربهم من مقاعد التدريس، وهو بلا شك انعكاس لحالة عدم الاهتمام التي يتلقاها الاستاذ الجامعي في الجامعات الحكومية، ودليل على ان السلم الجديد لرواتب الاكاديميين لم يغط الكثير من احتياجاتهم، وهو أمر مخجل ومحرج». رؤية أخرى وبخلاف الآراء السابقة، يرى استاذ المحاسبة في كلية ادارة الاعمال بجدة الدكتور علي التواتي، أن سلم الرواتب الجديد الذي اعتمد مؤخرا لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية، قد اغلق كل الثغرات بكل ما يتعلق باحتياجات الاستاذ الجامعي، بل اضطر الكليات الاهلية الى اعادة سلم المرتبات التي تمنحه ليكون الاكثر.. او على الاقل موازيا لما تمنحه الجامعة السعودية لعضو هيئة التدريس. واكد التواتي على أن ما تبقى في ملف مرتبات الاكاديميين يتمثل في اعادة النظر في مرتبات فنيي المختبرات، وقال: «الفنيون هم بحاجة الى اعادة النظر في سلم رواتبهم، فهم معينون على كادر اداري، في حين يعملون في معامل كيمائية، ولا يصرف لهم بدل خطر، بل ويطلب منهم العمل في اوقات مختلفة، وفي مقابل كل ذلك لا تعطى لهم الفرصة لاكمال دراساتهم العليا.. على اقل تقدير». واضاف التواتي: «اما الحديث عن مرتبات اعضاء هيئة التدريس، فكما اسلفت ان الكادر الجديد للرواتب لبى مطالب معظم ان لم يكن جميع احتياجات الاكاديميين، والذين اصبح منهم من يرفض استقطاب أي استاذ زائر لاقسامهم بسبب ارتفاع مخصصاتهم ومرتباتهم التي اقرها الكادر الجديد». واشار التواتي الى أن الاستاذ الجامعي اصبح يعمل في اوقات خارج الدوام للحصول على دخل جيد. مؤكدا ان الكادر الجديد لرواتب اعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية اثار الجشع في النفوس. وقال: «برغم ان وزارة التعليم العالي تشترط استقطاب اساتذة زائرين، الا ان بعض الاقسام الاكاديمية ترفض ذلك، وتقفل الباب مثل هذه الزيارات نهائيا، بحجة انه يستدعي ميزانية مالية، يستحقها الاكاديميون في الاقسام، والذين يتضامنون في مواجهة مثل تلك الخطوات من باب (حماية الرغيف)!» وعن الحالات المتكررة لترك الاكاديميين العمل في الجامعات، قال التواتي: «مثل هؤلاء لن يتركوا العمل في الجامعة الا لسببين، اولهما بسبب الحصول على وظيفة عليا كالوظائف التنفيذية او الاستشارية في القطاع الخاص، او العمل في احدى الجامعات المرموقة في الدول المتقدمة والتي تقدم الكثير من الفرص امام الكفاءات السعودية المهاجرة، وهو امر تكرر كثيرا امام الكفاءات العربية التي نجحت وبرعت في تخصصاتها، والغريب في الامر في هذه القضية، هو عدم تحرك الجامعات السعودية أو وزارة التعليم العالي للحد من هجرة مثل هذه الكوادر والتي لا تشكل هجرتها ظاهرة، وان كان تكرارها اصبح يسعد كثيرا الجهات المسؤولة عن التعليم العالي، بحجة ان مثل تلك الكوادر تتطلب تهيئة الكثير من المتطلبات العلمية والكثير من الميزانيات. في حين ان القدرة العلمية والمهارية اصبحت امرا مطلوبا في كل بقعة من بقاع العالم، ولذا يجب تهيئة البيئة الحاضنة للتميز العلمي، من خلال توفير المال والمعدات، الى جانب التعامل بجدية مع الافكار الجديدة والانفاق عليها». مطالب متبقية من جهته يشير الدكتور عبدالرحمن بن ابرهيم الحبيب عضو هيئة التدريس بكلية الاتصال والإعلام في جامعة الملك عبدالعزيز والكاتب بهذه الصحيفة، إلى أهمية النظر في أوضاع هيئة التدريس في الجامعات السعودية مقارنة بما يحصل عليه أقرانهم في الجامعات الخليجية، مؤكدا على حرص وزارة التعليم العالي ووقوفها في صف عضو هيئة التدريس ودعمها له بشكل قوي لرفع مخصصاته المالية، حيث جاء ذلك جليا في حزمة من البدلات، كبدل الحاسب الآلي وبدل الندرة وبدل التعليم الجامعي، بالإضافة منح أعضاء هيئىة التدريس مكافأة مالية مستمرة بشكل شهري عند تحقيقه انجاز علمي أو براءة اختراع أو نشره أبحاثا في مجلات علمية مرموقة أو حصوله على جوائز بحثية على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي. وقال الحبيب: «حقيقة أن هذه الحوافز والبدلات حسنت وبشكل كبير من دخل عضو هيئة التدريس الذي كان سابقا يعاني الأمرين من عدم تعديل سلم رواتب أعضاء هيئة التدريس الجامعيين لأكثر من 20 عاما ولكن ومع هذه التحسينات يظل عضو هيئة التدريس لديه مطالبات أخرى تكمن في بدل السكن وتوفير التأمين الطبي له ولعائلته، والرغبة والأمل في تثبيت البدلات التي اقرت في السنوات الأخيرة والمتمثلة في بدل الحاسب الآلي وبدل التعليم الجامعي وبدل الندرة وبدل الجامعات النائية والناشئة لتكون جزءا من الراتب، لتحسب فيما بعد في الراتب التقاعدي». ونوه الحبيب الى اهمية تمديد سن التقاعد لعضو هيئة التدريس إلى سن 70 سنة، ودراسة حالات تسرب لأعضاء هيئة التدريس إلى جامعات خليجية والتي تمتاز بسلم رواتب محفز أكثر من جامعاتنا. مضيفا: «ان أعضاء هيئة التدريس السعوديين يشكلون شريحة مهمة في المجتمع، فهم أفنوا حياتهم في التعليم والدراسة والتي غالبا ماتكون في الغربة، وقد امتدت سنواتها لقرابة الربع قرن أو أكثر للحصول على الدكتوراة.. بداية من مراحل التعليم العام.. مرورا بالتعليم الجامعى ثم التعليم العالي». ويقول الدكتور الحبيب: «عندما تنظر إلى أعداد أعضاء هيئة التدريس بالجامعات فإنك تجدهم فئة قليلة مقارنة بالمعلمين في قطاع التعليم العام، حيث يبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس السعوديين في الجامعات قرابة 22 ألف من الذكور و15 ألف من الإناث، بما يعني أن هناك فقط 27 ألف عضو هيئة تدريس سعودي وهذا أيضا يعد قليلا جدا مقارنة بعدد الجامعات السعودية التي بلغ عددها 24 جامعة، الى جانب ثماني جامعات أهلية.. وعدد آخر من الكليات الأهلية ومؤسسات التعليم العالي الآخرى». ويؤيد الدكتور الحبيب مايدور خلف الكواليس حاليا، ومفاده أن وزارة التعليم العالي تعد برنامجا طموحا يهدف بشكل رئيس إلى الارتقاء بجودة أداء أعضاء هيئة التدريس، من خلال تحفيز انتاجهم وربط رواتبهم بجودة أدائهم، بحيث يكون هناك نظام توظيف مغاير لماهو معمول به حاليا في وزارة الخدمة المدنية، حيث يقوم النظام الذي لا يزال قيد الدراسة حاليا على التوظيف بنظام العقود المحددة وبأجل معين، مع منح أعضاء هيئة التدريس المميزين ومن تثبت جدارتهم عقود دائمة مدى الحياة.. بحسب ماهو معمول به في الجامعات الغربية.