استبعاد فنلندا من المراتب المُتقلصة للبلدان المصنفة في مرتبة السندات ذات المرتبة الاستثمارية الممتازة (بدرجة AAA) لا يعني الكثير بحد ذاته: العائدات على السندات الفنلندية تبقى في أدنى مستوياتها التاريخية. لماذا إذن يدعو رئيس الوزراء الفنلندي ألكسندر ستوب مواطنيه من أجل «بناء فنلندا جديدة» كما لو أن تخفيض التصنيف الائتماني من قِبل ستاندرد أند بورز كان بمثابة نذير النهاية؟ وربما السؤال الأفضل هو لماذا لا يقوم الزعماء الأوروبيون الآخرون بالعمل بنفس القوة من أجل التجديد الاقتصادي. لقد تمكنت فنلندا بالفعل من التعامل مع واحدة من عودة الظهور على غرار أبو الهول في الأعوام ال 25 الماضية، وينبغي أن يتم الانتباه إلى ستوب عندما يقول: «إن البعض يعتقد أن النمو الاقتصادي سيعمل على إصلاح الأمور. نحن بحاجة لمواصلة الإصلاحات الاقتصادية. ولا نستطيع انتظار النمو». وفي أوائل التسعينيات، عندما أصبح الاتحاد السوفييتي تقريباً مفتقراً للملاءة المالية ثم انهار، اضطرت فنلندا لإعادة توجيه اقتصادها. ابتداءً من معدل بطالة يبلغ 17% وناتج بنسبة 10% أقل من ذروته في الثمانينيات، قامت البلاد بالتعويض من خلال بناء «اقتصاد المعرفة»، بالاستثمار في التعليم والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات. وفي غضون 15 عاماً، كانت محبوبة لمعززي قطاع التكنولوجيا وخبراء الاقتصاد الكلي على حد سواء. حيث دعاها تقرير البنك الدولي في عام 2006 بأنها الاقتصاد الأكثر تخصصاً بالتكنولوجيا في العالم، وكان المنتدى الاقتصادي العالمي يضع فنلندا بانتظام في أعلى مؤشر التنافسية العالمية. كان اقتصاد فنلندا يبدو حالة واضحة لسياسات الحكومة الحكيمة- تحرير أسواق الاتصالات، ومساعدات لقطاع التكنولوجيا، وضرائب شركات منخفضة نسبياً- التي قامت باستعادة بلد صغير وانتشاله من هوة الخراب. وفي الواقع، نجاح فنلندا كان يتوقف على بطل وطني واحد. تحدث تقرير البنك الدولي من عام 2006 عن تكتل تكنولوجيا بقيادة نوكيا، بما في ذلك 6 آلاف شركة منها 300 شركة كانت تعمل على شكل مقاول فرعي رئيسي لشركات صناعة معدات الاتصالات. لكن بدون زعيمها، كان التكتل ليكون مجرد نقطة على شاشة الرادار. يُظهِر التقرير القديم أن مساهمة صناعة التكنولوجيا في نمو الناتج المحلي الإجمالي في فنلندا أساساً جاءت من نوكيا. كل ما قامت به نوكيا لإطلاق فنلندا على ما يسميه ستوب الآن «العقد الضائع» كان اتخاذ بعض التحويلات الخاطئة. عندما قامت أبل بإنتاج جهاز الآيفون الأول، كانت نوكيا أكبر شركة لتصنيع أجهزة الهواتف الخلوية في العالم. اليوم، ما تبقى من قسم الأجهزة الذي كان ضخماً ذات مرة هو صداع مُكلف لمالكه الحالي، مايكروسوفت. في شهر (يوليو)، قام ستيفان إليوب، الذي يُدير القسم، بالإعلان عن خطط لتخفيض 12,500 وظيفة. الآن بما أن نوكيا قد تقلصت، أين هو تكتل التكنولوجيا الشهير ذاك؟ حسناً، لا يزال التكتل موجوداً، لكن لا يوجد فيه شيء يمكن أن يحل محل البطل المتهدم. لا تزال سوبرسيل، التي تم تقييمها بمبلغ 3 مليارات دولار عندما استحوذت عليها شركة سوفتبانك في اليابان العام الماضي، تصنع ألعاب الهاتف الخلوي الأعلى، كما لا تزال روفيو، شركة تطوير لعبة أنجري بيرد، موجودة، على الرغم من أنها اضطرت مؤخراً لتخفيض 16% من موظفيها واستبدال رئيسها التنفيذي. فنلندا لديها معدل ضريبة الشركات الأدنى في الدول الاسكندنافية (20%)، وهي بنية تحتية ممتازة للاتصالات وبعض دعم الدولة للابتكارات، لكن يتطلب الأمر أكثر من ذلك ليتم تشكيل شركات مثل نوكيا. الحظ المُطلق ضروري أيضاً، كما هو الحال بالنسبة لظهور، مثلاً، شعراء ومؤلفين رئيسيين. في بعض العقود، تكون البلاد الصغيرة مباركة؛ وفي عقود أخرى، لا تكون كذلك. وانهيار نوكيا أجبر فنلندا على النظر في الحقيقة المرة التي كانت تتجاهلها: الدعامة الرئيسية التقليدية للاقتصاد، وهي صناعة الورق، قد انهارت أيضاً بسبب ابتكار التكنولوجيا نفسه الذي قام بتغذية الاقتصاد الوطني في العقد الأول من الألفية. يبلغ معدل البطالة الآن 7%، وهو معدل أقل بكثير مما كان خلال أزمة التسعينيات، لكنه ينمو، ومع نهاية طفرة التكنولوجيا، من الصعب معرفة أين ستظهر فرص عمل جديدة. كتبت وكالة ستاندرد أند بورز، لتوضيح قرارها في تخفيض التصنيف الائتماني: «يبقى من غير المؤكد ما إذا كان بإمكان قطاعات أخرى الاستمرار بالتعويض عن خسارة الإنتاج في صناعة الخشب والورق في فنلندا وفي صناعة الإلكترونيات فيها». وفي الوقت نفسه، الحرب الباردة الجديدة تهدد تجارة فنلندا مع روسيا، التي تمثل 4% من الناتج المحلي الإجمالي لبلاد الشمال. وبدأ السكان يكبرون في السن. كما أن سوق الإسكان المتضخمة تبدو خطيرة. ومن أواخر عام 2007 حتى نهاية عام 2013، ارتفعت تكاليف العمالة بنسبة 20%، مقارنة مع 12.5% لدى منطقة اليورو ككل. ودرس فنلندا لأوروبا هو أن النمو يتعلق بالتنافسية. الاقتصادات الكبيرة والمتنوعة تحتاج إلى أكثر من معجزة واحدة مثل نوكيا لتزدهر. وهذا يتطلب سوق عمل مرنة، وبيئة اقتصادية حرّة، ونعم، بعض الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية والأبحاث والتنمية. حيث لا يوجد معنى من تعليق كافة الآمال على التحفيز النقدي، حيث الحكومة الفرنسية يبدو أنها تفعل ذلك لمواجهة تخفيض التصنيف الائتماني الخاص بها من قِبل ستاندرد أند بورز الذي يلوح في الأفق. وعلى الرغم من أن الأسواق كانت تتجاهل إشارات وكالات التصنيف، إلا أن تخفيضات التصنيف الائتماني- التي تركت عدداً قليل من البلاد الثمينة في أوروبا بتصنيف ستاندرد أند بورز يبلغ AAA- ينبغي أن تجعل الحكومات الأوروبية تبدأ العمل على القدرة التنافسية لاقتصاداتها. على الأقل ستوب فهم الرسالة: حيث يدعو تخفيض التصنيف الائتماني بأنه «دعوة إلى الصحوة» ويقول إن فنلندا تحتاج إلى تسريع الإصلاحات الهيكلية.