٫٫ لن أتحدث بلغة الأرقام. أتحدث بلغة المعلومة النّاتجة عن الأرقام. لا يهم أن أسرد أرقاما جافة لتستنتجوا أنتم المعلومة. أقدمها مباشرة ليعلم الجميع فحش التناقضات في مسيرة الزراعة مع المياه. الأمن المائي والأمن الزراعي هدفان لكل أمة. جعلناهما في وضع يقتل أحدهما الآخر. الضحية النهائية إنسان هذا الوطن. ٫٫ في الوقت الذي نستنزف فيه المياه الجوفية نحلّي مياه البحر. هذا يؤكد عمق مشكلة التفكير الذي نحمل. أدعوكم للمقارنة بين سعر نقطة واحدة من ماء التحلية مع سعر كل المياه الجوفية الموجودة في المملكة. أيهما أغلى سعرا؟! الجواب واضح. ثمن نقطة من مياه التحلية أغلى سعرا من كل مياهنا الجوفية مجتمعة. كنتيجة نجد القوم في وزارة المياه يعظمون همّ مياه التحلية. يتجاهلون همّ المياه الجوفية. جاءتهم بلا ثمن. تناقض عمّق أوجاع استنزافها، وإهدارها، وسوء إدارتها، وتلوثها. ٫٫ المياه الجوفية تحت سطح الأرض مصدرها المطر. لم يصرف الإنسان قرشا واحدا على وجودها. كنتيجة قل شأنها عند العرب. تناقض في مسار التناقضات. نقول عنها ثروة ثم نضيعها، أليس هذا تناقضا؟! نقول عنها نادرة ثم نهدرها، أليس هذا تناقضا؟! ندرك أهميتها ثم نتركها للإهمال والفوضى، أليس هذا تناقضا؟! ٫٫ علينا فهم معنى التناقض وأبعاده. علينا إدراك مساراته المخجلة. نحن قوم وصلنا مرحلة الافتخار بالتناقض. نفتخر بأننا أكبر دولة في العالم في تحلية مياه البحر. هذا يعني الكثير من التناقضات. إدانة واضحة وصريحة لسوء تصرفاتنا. نهدر المياه الجوفية بكل حماقة ثم نقوم بتحلية البحر بأغلى الأثمان. أليس هذا تناقضا؟! الفخر أن نقول: نحن نحلّي ماء البحر من أجل توفير المياه الجوفية للأجيال القادمة. أثبتنا لأنفسنا وعليها، أننا في عكس اتجاه المصلحة العامة مع هذا الأمر. ٫٫ من التناقضات التي تؤكد وجود الفوضى والتخبط والعشوائية، قصة شراء التمر من المزارع السعودي، بسعر ثلاثة ريالات للكيلو. ماذا يعني هذا؟! تصرف يؤكد أن وزارة الزراعة لا تهتم بالمزارع السعودي. لا تهتم بالمياه الجوفية. لا تهتم بالغذاء السعودي. لا تهتم بمستقبل الغذاء السعودي. لا تهتم بالتخطيط. تهتم بصرف الأموال وتبرير صرف الميزانية بمثل هذه التصرفات. تناقضات تؤكد تخبط الاجتهادات ونتائجها. ٫٫ في الوقت الذي يباع الكيلو الواحد من التمر في الأسواق بأكثر من (10) ريالات، تدفع وزارة الزراعة ثلاثة ريالات للفلاح. هذا يعني أن هذا الفلاح في الجانب المظلم الذي تتستر عليه الوزارة. هذا يعني أن الفلاح السعودي أمام أمرين: بيع تمره بأبخس الأثمان أو تخليه عن الزراعة. لم يجد وقفة نبيلة من وزارته، لتسويق تمره. بقي سوق التمر لسيطرة رجال الأعمال وكبار الموظفين وأهل النفوذ. هكذا يتم سحق الفلاح السعودي تحت مسمع ونظر وزارة الزراعة. المشكلة أنها تبارك بتجاهلها. ٫٫ وحتى نفهم أكثر بعد هذه التناقضات التي نعيشها، علينا مقارنة ما يجري للفلاح السعودي مع الفلاح الامريكي. بسبب قوة وكفاءة الارشاد الزراعي أصبحت الأسرة الزراعية في أمريكا توفر الغذاء ل(50) عائلة غير زراعية. فهل يستطيع الفلاح السعودي تأمين العيش لعائلته مع كل هذه الأوضاع التي تمارسها وزارة الزراعة؟! الفلاح صمّام الأمان الذي يجب المحافظة عليه كحفاظنا على أرواحنا. اجتاح المتطفلون الساحة الزراعية سعيا وراء ميزانية وزارة الزراعة. اجتياح لكل نواحي القطاع الزراعي حتى تم خنق الفلاح السعودي. أصبحت الوزارة تتفضل بشراء تمره بثلاثة ريالات للكيلو. تفتخر الوزارة وبغباء أن هذا السعر هو من أجل مساعدة الفلاح. تصرف أراه إهانة لنا وللفلاح السعودي وللوطن. وزارة بتصرفاتها لم تعد تحترم حتى العقول، فكيف لها احترام مستقبل، واحترام أجيال قادمة، واحترام مياه جوفية. ٫٫ وزارة قادت البلد بكامله نحو زراعة القمح. استنزف المياه الجوفية. ثم تبرأت من زراعته بكل بساطة. هكذا بدون مساءلة أو محاكمة. دخلت بنا فيما يشبه الحرب مع البيئة. خسرنا المعركة وما زلنا نخسر. وزارة ما زالت في اندفاعها يمنة ويسرة على غير هدى ورشد. النتيجة مضاعفة الأوجاع. كيف لنا مواجهة المستقبل؟! كيف نحقق الأمن المائي والغذائي؟! وزارة أصبحت مسؤوليتها واضحة، كأنها تدمر وتفتت أركان الأمن المائي، والأمن الغذائي للبلد. لماذا؟! ٫٫ الإسراف منهي عنه شرعا. آيات عظيمة تتناول التوجيه والإدارة. هناك عقول لا تعي ما تقرأ في هذا القرآن الكريم. هذه الآية خير شاهد على التناقض والإدانة. {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف. في الوقت الذي ننادي باحترام نعمة الأكل، ونستنكر الإسراف في المناسبات والاحتفالات، لدرجة تأسيس جمعيات تجمع الأكل الزائد، لتوزيعه على الفقراء والمحتاجين، نجد أننا نستنزف ونهدر الماء وهو أكبر نعمة. قد نستطيع الصيام أياما، لكن لا نستطيع مواجهة العطش ساعات. تفكروا في كل كلمة ومدلولها في الآية الكريمة: الأكل. الشرب. الإسراف. الحب، المسرفين. ٫٫ إليكم هذه الاية التي توضح من نحن مع هذا التبذير في المياه: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} (27) سورة الإسراء. وللعبرة اليكم هذه الآية الكريمة: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} (83) سورة يونس. وإليكم هذه الآية العظيمة: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) النساء:5. كل شيء نملكه مال، حتى الوقت. ٫٫ لنتفهم أمر هذه الآية الكريمة: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(183) }[الشعراء]. في مدلولها مسارات تطال كل شيء. الفساد في البيئة يعني الاخلال بالتوازن القائم. توازن جعله الله حقا لصالح بقاء الأشياء سليمة، نافعة في أقصى درجات النفع. أعمالنا اليوم بعيدة كل البعد عن تحقيق هذه الآية الكريمة. نحن نقود أجيالنا إلى العطش الحتمي بسبب الاستنزاف الجائر لمياهنا الجوفية. الوقت يعمل لغير صالحنا، وصالح أجيالنا وبلدنا. هذا صوت ضميري أنقله لكم. بقي سماع صوت ضمير الوزارات المسؤولة للتصحيح، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.