يتوجه الناخبون في البوسنة إلى مراكز الاقتراع اليوم الأحد لاختيار قادتهم الجدد، ويحدوهم القليل من الأمل ان تغير أصواتهم حال البلاد. وفي تقريرها بشأن توسيع الاتحاد الاوروبي لعام 2014، قالت المفوضية الأوروبية - الذراع التنفيذية للاتحاد -: إن البوسنة"تظل في حالة جمود". وقالت: انه بعد الانتخابات "سوف يكون من الضروري على البلاد ان تتصدى لإصلاحات اجتماعية واقتصادية ملحة وإحراز تقدم في اجندتها الأوروبية". وبدون هذا التقدم سوف تظل البوسنة بدون دعم مالي أجنبي. وقال جوناثان مور، رئيس بعثة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مؤخرا: "نأمل ان يحدث بعد الانتخابات... ما هو أكثر من الخطابة"، مشيرا إلى غضب الكثير من الدبلوماسيين الاجانب من حكومة البلاد. والشكوى الأكثر شيوعا الموجهة من قادة البوسنة تتمثل في رفضهم تغيير نظام مختل قامت بإرسائه اتفاقية دايتون للسلام لإنهاء الحرب الأهلية. ومن حينها والبوسنة منقسمة على طول خطوط عرقية إلى قسمين مختلفين أو كيانين: وهما اتحاد البوسنة والهرسك الذي يضم المسلمين البوسنيين والكاثوليك الكروات، وجمهورية صربسكا حيث يعيش الصرب الأرثوذوكس. وتشارك هذه المجموعات الثلاث - إلى جانب جماعات أخرى اصغر - في البرلمان المركزي الذي يشكل حكومة البوسنة وكذلك أعضاء هيئة الرئاسة الثلاثي الذي يقود البلاد. واعتمادا على المكان الذي يقيمون فيه، سوف يتمكن سكان البوسنة من التصويت للرئاسة والبرلمان البوسني وكيانين برلمانيين ورئيس صربسكا وبرلمانات عشرة اقاليم في اتحاد البوسنة والهرسك. وفي المجمل، يشارك فى الانتخابات 65 حزبا و24 مرشحا مستقلا و24 ائتلافا. ولا يقتصر غضب جمهور الناخبين من قادة البلاد على عدم قدرتهم على الاتفاق على الإصلاحات فحسب، ففي بلد يعد فيه نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي ثالث ادنى مستوى في أوروبا وتقترب البطالة من 50 بالمئة، يحصل الساسة على نحو ثلاثة آلاف دولار شهريا مقارنة بمتوسط اجور يبلغ 530 دولارا. ويدور الحديث فى البوسنة عن فساد السياسيين، وأدرجت منظمة الشفافية الدولية البوسنة في المرتبة ال 72 في قائمتها لمؤشر الفساد العالمي لعام 2013. ونشر مركز سراييفو المتخصص في التقارير الاستقصائية مؤخرا قاعدة بيانات تظهر ثراء الكثير من الساسة بشكل سريع خلال شغلهم لمناصبهم. وأبدى البعض في البوسنة غضبهم في شباط/فبراير الماضي عندما اضرموا النيران في مبان حكومية في سراييفو وزنيتسا وموستر واماكن اخرى وسط احتجاجات ضد النخبة السياسية. وطالب المتظاهرون بتنحي الساسة بشكل جماعي، ولكن استقالت حفنة فقط قبل ان يخفت زخم الاحتجاجات. وفي النهاية، يتنافس كل من في السلطة تقريبا من اجل شغل مناصب عامة مجددا. وبعيدا عن ضجيج حملة الانتخابات العامة التي أيقظت الخطاب القومي في البوسنة، لا يحرك موظفو مصنع بيتكو بريسيزا سوى حافز واحد، هو اتقان المنتج الذي يتسلمه زبائنهم. فالمسلمون الذين يشكلون الأكثرية في غوراجدي شرق البوسنة يعملون جنبا الى جنب مع الصرب في بلد لا تزال الانقسامات الطائفية عميقة فيه بعد حوالى عشرين عاما على حرب 1992- 1995. وأكد امير كوراليتش المدير التقني لمصنع بيتكو بريسيزا ان "الاقتصاد لا يعرف الحواجز ومؤسستنا لا تهتم بطائفة الأجراء او جنسياتهم. وقيمة الرجل هنا يحددها ما يجيد القيام به". ورغم الأزمة الاقتصادية، يشهد هذا المصنع توسعا مطردا، منذ اسسه في 2005 على الضفة اليمنى لنهر درينا رجل الأعمال رادزو بيتكو الذي يمضي معظم وقته وسط عمّاله ويتجنب وسائل الإعلام. ويعمل فيه اليوم 540 شخصا منهم 45 مهندسا، وتسعى الادارة الى زيادة عدد العمال الى الف في غضون ست سنوات، وهذا ما يتناقض مع الصورة العامة لهذا البلد، احد افقر البلدان في اوروبا، حيث تشمل البطالة 44% من اليد العاملة. وفي مدينة درفنتا الصغيرة في الشمال والواقعة في الكيان الصربي، يعمل في حوالى ثلاثين مؤسسة أنشأت نصفها شركات نمساوية والمانية وايطالية ايضا، حوالى سبعة آلاف شخص في قطاع الانتاج. وشركة مريزا نتوورك التي تأسست في 2005 وتوظف اليوم 350 شخصا، تخصصت في انتاج الاسلاك الكهربائية لمعدات الورش وخصوصا لمجموعة ليبهر وسيارات رياضية (فيراري ولامبورغيني وفورمولا 3)، كما قال لوكالة فرانس برس نائب المدير زوران توسيتش. وينتمي موظفوها الى المجموعات الرئيسية الثلاث في البوسنة (الصربية والكرواتية والمسلمة) ويعملون بانسجام تام. ويؤكد هذا الخبير الاقتصادي الخمسيني انه اذا ما تمكنت السلطة التي ستنبثق من انتخابات يوم غد الأحد من تأمين بيئة مستقرة سياسيا وملائمة للتنمية، سيكون في وسع رجال الاعمال البوسنيين ان يؤمنوا في غضون خمس سنوات 70 الف فرصة عمل على الاقل في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 3,8 مليون نسمة.