أثناء جلسة عائلية بالعيد قال لي أحد الحضور إن مشاهدة الطفل لذبح الأضحية وسيلان الدم أمامه يعلمه التطرف والإرهاب، ويكفينا ما نعيشه يوميا من قطع الرؤوس حتى صرنا نتهم بأننا مجتمعات دموية، كما أني قرأت يوما أن طفلا قتل أخاه بعدما رأى كيفية ذبح الأضاحي، فلا بد أن نحترم الحيوان ونوقف ذبحه ونعامله برفق، فإني أرى أن عيد الأضحى هو عيد المجزرة وإراقة الدماء وهتك حقوق الحيوان فما رأيك؟! قلت له: هل قرأت عن الآداب الإسلامية والهدي النبوي في ذبح الأضحية؟ قال: لا، قلت له: لو قرأت في هذا المجال لما قلت ما قلت، قال: ماذا تقصد؟ قلت: قبل البدء بالرد على ما ذكرت فإننا لا بد أن نناقش قضية أساسية وهي علاقة الإنسان بالحيوان، وبعدها نستطيع أن نناقش مسألة الأضاحي فما رأيك؟. قال: أنا أعتقد بأن الله سخر لنا ما في الكون ومنها الحيوانات، قلت: إن ما ذكرته هو عين الصواب ومن التسخير أن الله جعل الأغنام طعاما للإنسان أليس كذلك؟ قال: بلي، قلت إذا نحن متفقون على أنها تذبح من أجل الطعام، قال: ولكن ينبغي أن لا تذبح أمام الأطفال، قلت: دعنا نناقش هذه المسألة، قال: تفضل، قلت: قبل الذبح ينبغي أن نعلم طفلنا أن ذبح الأضحية ليس عبثا أو لعبا وإنما لهدف اجتماعي تكافلي، فنحن نقول له إن هذا الخروف بعد ذبحه سيقسم لثلاثة أثلاث، الثلث الأول هو طعام لنا والثاني يعطى للجيران والثالث نتصدق به على الفقراء، فالأضحية عبارة عن مشروع اجتماعي تكافلي لإغناء المجتمع وتحقيق الترابط الأسري والمجتمعي، وهذا معنى عظيم لو فهمه الطفل قبل أن يشاهد لحظة الذبح، وكذلك أن نعلمه أن الإسلام أمر بالذبح من الرقبة ليكون اللحم صحيا وذلك لإخراج أكبر كمية من الدم، وفي هذا إعجاز علمي عظيم لأن النتائج تختلف عن الذبح بالصعق أو الخنق، ثم نذكر له قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام وكيف أن الله أنزل الكبش بديلا عن ذبح الطفل، فيتعلق الطفل بالله أكثر ويشعر بأن الله يحب الأطفال لأنه أنقذه من الذبح، وأخيرا نعلمه أن نبينا يحب الحيوانات وقد أمرنا بالرفق بها عند ذبحها وذلك بتقديم الماء للأضحية قبل ذبحها، وإراحتها وأخذها برفق وعدم سحبها بقوة، وأن نحد السكين ونخفيها عن عينها عند ذبحها ثم نستقبل القبلة ونقول بسم الله لتكون حلالا، فيتعلم الطفل معاني كثيرة منها الرفق بالحيوان وبركة طعام الحلال وحب المساكين وإكرام الجار وبر الوالدين، وكل ذلك نفعله قبل الذبح ليتهيأ الطفل له. قال معترضا: ولكن ماذا لو كان الطفل صغيرا فإنه ستحصل له صدمة نفسية، قلت: إذا كان عمره أقل من سبع سنوات فإننا لا ننصح أن يشاهد (لحظة الذبح) وممكن أن يشاهد لحظات التحضير أو السلخ والتقطيع، أما لو كان أكبر من سبع سنوات فلا بأس بأن يشهد لحظة الذبح، قال: أعرف طفلا لا يأكل اللحم بعدما رأى الذبح، قلت: كلامك هذا ينطبق على حالة أو حالتين ولكن لا نستطيع أن نعمم على كل الأطفال، ثم إن هذا الطفل قد يكون غير مهيأ لرؤية مشهد الذبح أو كانت عملية الذبح عنيفة أمامه ولكن لا نستطيع أن نلغي نسكا شرعيا من أجل ردة فعل طفل أو طفلين، أما ذكرك بأن مشاهدة ذبح الأضحية تخرج لنا متطرفا أو إرهابيا فكلامك هذا غير صحيح، لأن مشاهدة عملية الذبح للأضحية لا تتجاوز ساعة ولها قصة ومعنى فلا تخرج لنا إرهابيا يستمتع بقطع رؤوس الناس، ولا يوجد بحث علمي واحد يقول ما تتخيله، وكنت أتوقع أنك تقول إن ما ينشر بالإعلام أو ما يبث في أفلام الكارتون والمسلسلات يساهم في تحويل الطفل لمشروع عنف!! فهل تريد أن تلغي نسكا وعبادة لا تتجاوز ساعة في السنة وتسكت عما يبث من تطرف وعنف في الإعلام 24 ساعة؟! ألا تذكر عندما كنا صغارا كنا نسعد بيوم العيد وخروف العيد ونساهم مع أهلنا في توزيع اللحم على الفقراء وما زالت قلوبنا رحيمة فهل نسيت ذلك؟ قال: وإذا تعرض الطفل لصدمة نفسية؟ قلت له: يا أخي أنا أعرف أطفالا يخافون من ركوب المصعد الكهربائي لأنه توقف بهم يوما ما، فهل نمنع كل المصاعد الكهربائية بالعالم أم نعالج الطفل؟ فصمت ونظر إلي مستغربا ثم قلت له: ولماذا لا نمنع مشاهدة الأطفال من صيد السمك أو الطيور كذلك وهم يشاهدون الدم يخرج منها؟ قال: موضوعك هذا يدعونا للتفكير، قلت: جرب أن تخبر ابنك أن الخروف سيكون سعيدا عند ذبحه لأنه حقق الهدف الذي خلقه الله من أجله وهو أن يكون طعاما للإنسان، فابتسم وقال: وهذه معلومة جميلة، قلت: وأطمئنك أكثر فإذا كان عندك طفل يرفض مشاهدة الذبح أو رؤيته فلا تجبره على المشاهدة، فالمهم أن يعرف قصة الذبح والهدف منه لأن هذا من أفضل الأعمال التي أمرنا الله بها في يوم العيد (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر). * الخبير التربوي والاجتماعي