العيد واحة ربيعية تبرجت بزهراتها الجذابة، العيد طفل لطيف المشهد.. زكي النكهة ثيابه قزحية الألوان رقيقة الملامح شفافة.. منظره باسم وضحكاته خلابة كتساقط الدر والجواهر على أرض من ذهب.. العيد أغنية نسمعها بوجداننا ووجه جميل نراه بخيالنا وواقعنا في الوقت نفسه.. العيد فاكهة تشتهيها الأنفس لأنها بنكهة الفرح، العيد عند المؤمن المسلم عرفه الشاعر البحريني عبدالرحمن رفيع فقال: «ويسألني ما العيد؟ قلت عبادةٌ ولهو بريء يستحيلُ إلى قدسِ، ونشوة روح تستظل بظلها وتسرح في أفيائها شتوة النفس وما العيد إلا ذكرياتٌ حميمةٌ تؤجج في أعماقنا روعة الأمسِ».. عزيزي القارئ إن لنا عيدين في الإسلام ولقد قال فيها العقاد قولاً حكيما فهاك شيء مما قال العقاد رحمه الله: والعيدان الكبيران في الإسلام هما: عيد الأضحى وعيد الفطر وأكبرهما هو الذي يأتي بعد مشقة الحج والتقرب إلى الله بالقربان المفروض، وثانيهما هو الذي يأتي بعد شهر الصيام ويحتفل به الصائم وقد راض نفسه على مغالبة الجوع والظمأ ومخالفة العادات التي جرى عليها في سائر الشهور. وكلاهما رمز واضح إلى فضيلة التضحية وفضيلة ضبط النفس أو إلى الفضيلة الإنسانية الجامعة لكل الفضائل، وهي حرية الاختيار والقدرة على مغالبة الغرائز والأهواء والعادات.. الأدباء الحقيقيون يتلمسون المناسبات الشخصية والاجتماعية فيتفاعلون وينفعلون بها ويقولون كلاماً يضمد الجراح الدفينة أو يزيدها نزفاً ولا تخلو مناسبة من (دمعة وابتسامة) فالأعراس والأعياد واللقاءات الحميمة دمعة وابتسامة وهذه من سنن البشر وذلك ما عناه المنفلوطي حين قال: لا تأتي ليلة العيد حتى يطلع في سمائها نجمان مختلفان، نجم سعود ونجم نحوس، أما الأول فللسُعداء الذين أعدوا لأنفسهم صنوف الأردية والحلل ولأولادهم اللعب، ولأضيافهم ألوان المطاعم والمشارب، ثم ناموا ليلتهم نوماً هادئاً مطمئناً تتطاير فيه الأحلام الجميلة حول أَسِرَّتهِم تطاير الحمائم البيضاء حول المروج الخضراء، وأما الثاني فللأشقياء الذين يبيتون ليلتهم على مثل جمر الغضا، يئنون في فرشهم أنيناً يتصدع له القلب، ويذوب له الصخر حزناً على أولادهم الذين بين أيديهم يسألونهم بألسنتهم وبأعينهم: ماذا أعدوا لهم في هذا اليوم من ثياب يفاخرون بها أندادهم ولعب جميلة يزينون بها مناضدهم؟ فيعللونهم بوعودٍ يعلمون أنهم لا يستطيعون الوفاء بها. إن رجلاً لا يؤمن بالله ورسله وآياته وكتبه ويحمل بين جنبيه قلباً يخفق بالرحمة والحنان، لا يستطيع أن يملك عينه من البكاء ولا قلبه من الخفقان عندما يرى العيد في طريقه إلى معبده أو منصرفه في زياراته، طفلةً مسكينة بالية الثوب كاسفة البال دامعة العين تحاول أن تتوارى وراء الأسوار والجدران خجلاً من أثوابها وأصحابها أن تقع أنظارهن على بؤسها وفقرها ورثاثة ثوبها وفراغ يدها من مثل ما تمتلئ به أيديهن فلا يجد بداً من أن يدفع عن نفسه ذلك الألم بالحنو عليها، وعلى بؤسها لأنه يعلم أن جميع ما اجتمعت عليه صنوف السعادة وألوانها لا يوازي ذرة واحدة من السعادة التي يشعر بها في أعماق قلبه عندما يمسح بيده تلك الدمعة المترقرقة في عينيها. حَسب البؤساء من محن الدهر وأزرائه أنهم يقضون جميع أيام حياتهم في سجنٍ مظلمٍ من بؤسهم وشقائهم، فلا أقل من أن يتمتعوا برؤية أشعة السعادة في كل عامٍ مرةً أو مرتين وعيدنا الأضحى هذا الذى نحن نعيش ساعته وآناءه ولا يأتي إلا بعد عبادة شاقة وامتحان عسير ولكن من الأهمية التأكد من المال الذي رحل به الراحل إلى بيت الله الحرام يتأكد من حله ونظافته.. ولقد أعجبني قول أحمد شوقي في ذلك نثراً حيث قال: كبرى الكبائر أن تلقى الله في بيته وبين وفده بمال خَلَسْتَهُ إما من يتيم وأنت تعلم أن ماله نار، وأنه نحس الدرهم نُحاسي الدينار أو من فقير– وقد فرض الله في مالك حصة سماها الزكاة فتغابيت يا مخادع الله وخرجت تحج بها للتظاهر والمباهاة. والحديث ذو شجون لذا يجب أن لا يأخذنا بعيداً.