إطلاق النسخة الثانية من برنامج كاكست لإنشاء الشركات "KVP"    رؤية 2030 برهان النتائج وتحقيق الإنجاز    GPT-5 وGPT-6 يتفوقان على الذكاء البشري    روبوتات طائرة لناطحات السحاب    انطلاق ملتقى "عين على المستقبل" في نسخته الثانية    شذرات من الفلكلور العالمي يعرف بالفن    مكونات صحة سكانية ترفع الأعمار    جيسوس: اللعب الجماعي مفتاح التأهل للنهائي    مكتبة الملك عبدالعزيز تعقد ندوة "مؤلف وقارئ بين ثنايا الكتب"    أمير المدينة المنورة يدشّن المرافق الحديثة للمتحف الدولي للسيرة النبوية    "مركز استهداف تمويل الإرهاب".. جهودٌ فعّالة ورائدة في مكافحة جريمة الإرهاب وتمويله    وزير الخارجية يجري مباحثات مع نظيره العُماني    الشورى يطالب توحيد الجهود وتطوير تصنيف موحد للإعاقة    وزير الإعلام: 2024 عام الأرقام القياسية    تدشين 9 مسارات جديدة ضمن شبكة "حافلات المدينة"    أمير نجران: التبرع السخي يجسد حرص واهتمام سمو ولي العهد على كل ما يعزز العمل الخيري    جمعية الخدمات الصحية في بريدة تفوز بجائزة ضمان    تقديرًا لإمكانياته القيادية ودوره في خدمة القطاع الصحي بالمملكة: "مانع المانع" الرئيس التنفيذي لمستشفيات المانع يحصد جائزة "الشاب القائد للعام" من مجلس الضمان الصحي    القبض على مواطن بتبوك لترويجه مادة الحشيش المخدر    أمير جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    استثمر في حائل.. أرض الفرص الواعدة    محافظ تيماء يرأس الجلسه الأولى من الدورة السادسة للمجلس المحلي    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية خدمة ضيوف الرحمن بالمنطقة    بلدية مركز شري تُفعّل مبادرة "امش 30" لتعزيز ثقافة المشي    الراشد : حققنا أهدافنا ..وهذا سر دعم زوجتي لجائزة السيدات    جيسوس: إصابة كانسيلو الجانب السلبي الوحيد    جامعة الأمير سلطان تطلق أول برنامج بكالوريوس في "اللغة والإعلام" لتهيئة قادة المستقبل في الإعلام الرقمي    أمير الشرقية يرعى تخريج الدفعة ال 46 من جامعة الملك فيصل    استشهاد 18 فلسطينيًا    "البحر الأحمر الدولية" تكشف عن مستعمرة مرجانية عمرها 800 عام    دمشق ل"قسد": وحدة سوريا خط أحمر    مدير الجوازات يستعرض خطة أعمال موسم الحج    صقر في القفص الذهبي    أبناء زين العابدين يكرمون كشافة شباب مكة    البرهان في مصر اليوم.. وملفات الحرب وإعادة الإعمار تتصدر المباحثات.. الدعم السريع يفاقم معاناة السودانيين باستهداف البنية التحتية    أمير القصيم: الخريجون ثروة الوطن الحقيقية لتحقيق التنمية    بتوجيه من ولي العهد.. إطلاق اسم "مطلب النفيسة" على أحد شوارع الرياض    السعودية تمتلك تجارب رائدة في تعزيز ممارسات الصيد    الموارد تطلق خدمة "أجير الحج" لتمكين العمل الموسمي    تنفذها الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بوزارة الداخلية.. أمير الرياض: الحملة الوطنية.. "الولاء والانتماء" تعزز الأمن وتحصن الشباب    معرض"ذاكرة الطين" للتشكيلية فاطمة النمر    هنأت رؤساء توغو وسيراليون وجنوب أفريقيا.. القيادة تعزي الرئيس الإيراني في ضحايا الانفجار    كيف تحل مشاكلك الزوجيه ؟    أكدت أنه يتفق والمصلحة المطلوبة شرعًا.." كبار العلماء": لا يجوز الذهاب للحج دون أخذ تصريح    "الانضباط" تجدد رفض احتجاج الوحدة ضد النصر    للمرة ال 20 في تاريخه.. ليفربول يتوج بالدوري الإنجليزي بجدارة    اكسر حواجز الواقع و اصفع الفشل بالإصرار    «هيئة الشورى» تعقد اجتماعها الثامن    حل 40 ألف قضية أسرية قبل وصولها للمحاكم    وفاة عميد أسرة آل أبوهليل    ملتقى «توطين وظيفة مرشد حافلة» لخدمة ضيوف الرحمن    «جمعية تجهيز» تُخصص رقماً مجانياً للتواصل    أخضر الشابات يترقب قرعة تصفيات كأس آسيا تحت 20 عاماً    مقتل شخصين في ضربات أميركية على صنعاء    تشكيليات يرسمن أصالة الأحساء    طلاء سحري يقتل البكتيريا والفيروسات    ارتفاع حرارة الأطفال بلا سبب    ولي العهد يوجه بإطلاق اسم الدكتور مطلب النفيسة على أحد شوارع الرياض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاعتماد على أهل الخبرة شرط أساس لنجاح القرارات
عقلية القطيع.. رؤوس كثيرة وعقل واحد (2-2)
نشر في اليوم يوم 06 - 10 - 2014


الرّأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ
هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا همَا اجْتَمَعَا لنَفْسٍ حُرّةٍ
بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كلّ مكانِ
وَلَرُبّما طَعَنَ الفَتى أقْرَانَهُ
بالرّأيِ قَبْلَ تَطَاعُنِ الأقرانِ
لَوْلا العُقولُ لكانَ أدنَى ضَيغَمٍ
أدنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنْسَانِ
(المتنبي)
قُدِّم للجزء الأول من المقال بأبيات لفارس هَوازن وشاعرها دريد بن الصمة، يتحدث فيها عن محاولته مقاومة عقلية القطيع في بني قومه برئاسة أخيه عبدالله الذي كان قد أحرز نصرا صغيرا على بني غطفان فقاد إبلهم غنيمة وفي الطريق توقف في مَكَان ليس ببعيد من بني غطفان يسمى منعرج اللوى، ليحتفل وقومه بنصرهم ويقتسموا الغنائم. فأشار عليهم دريد ألا يفعلوا لأن غطفان لاحقة بهم لا محالة. إلا أن أخاه ومن معه أصروا على رأيهم، فلم يملك دريد إلا البقاء معهم لأنه جزء من القبيلة. وما حصل أن غطفان ومعها جموع من بني عبس وفزارة وأشجع قد لحقوا بهم ودارت بينهم معركة شرسة قتل على أثرها أخوه عبدالله وجرح فيها دريد بن الصمة جروحا بالغة، محاولا أن يذود عن أخيه بعد أن تكالبت عليه الأعداء. فقال:
أمرتُهمُ أمري بمُنْعَرَجِ اللِّوى
فلم يستبينوا الرُّشدَ إلَّا ضحى الغدِ
فلما عَصَوني كنتُ منهمُ، وقد أرى
غَوَايتَهمْ أو أنَّني غيرُ مُهْتَدي
وما أنا إلَّا من غَزِيَّةَ إن غَوَتْ
غَوَيْتُ وإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
وهي قصة نموذجية لشرح نظرية عقلية القطيع. فهناك قائد مهيمن حقق وقومه انتصارات صغيرة، فنمّت لديهم شعورا بالمنَعَة والغرور والمبالغة في تقدير قوتهم، ودفعت قومه للتطرف بآرائهم أكثر، اقتداء بقائدهم (نظرية الاستقطاب الجماعي). وجعلتهم يحتقرون خصومهم ويهوّنون من قوتهم ويأتون بقرار أكبر مَّن قدراتهم. ويُمارسون الضغط على الخارج عن إجماعهم. فقد كان دريد الوحيد الذي شذّ من القطيع وحاول إرشادهم، إلا أنهم أصروا على غيّهم. فلم يملك دريد إلا أن ينضم إلى القطيع كارها، لأن وحدة القبيلة تتقدم على جودة وصوابية القرار. ولم يقيّموا المخاطر كما يجب. وربما لم يكن هناك سوى بديلين مطروحين للاختيار خاصة عند اقتراب الأعداء منهم وهما الفرار أو البقاء وتلقي الهزيمة، فاختاروا الخيار الأخطر بين خيارين سلبيين، حيث ان الجماعة التي تقع ضحية عقلية القطيع لا تتخلى حتى بعد تغير الأوضاع، عن مكاسبها وتبقى تقارن الخيارات الجديدة مع توقعاتها الأساسية. وفي النهاية قد تكون الكارثة ويخسرون كل شيء. كما أخفقوا في وضع خطة بديلة لهم. ودريد هنا وكما سجل في قصيدته، قد وعى بشكل ثاقب عقلية القطيع ومارسها وأحسن وصفها. فهو يستحق بحق أن يكون صاحب نظرية عقلية القطيع لا الباحث إيرفينغ جانيس، فهو الذي بلور فكرتها قبل جانيس بحوالي ألف وأربعمائة سنة.
وهناك قصة جذيمة الأبرش والزبّاء، حيث كان جذيمة حاكما على الحيرة وقَتَل والد الزبّاء ملك الحَضَر (جزيرة العراق التي تمتد حتى مشارف الشام) في إحدى معاركه. ثم حكمت الزبّاء بعد أبيها. فلما قويت شوكتها، أرادت أن تغزو جذيمة وتأخذ بثأر أبيها. ولكن بعض قومها نصحوها باستخدام الحيلة بدلا من الحرب، فاستجابت لذلك وكتبت لجذيمة كتابا تدعوه فيه ليتزوجها ويضم ملْكها إلى ملْكه. وكانت ذات حسن وجمال. فلما وصل الكتاب لجذيمة. أشار عليه قومه بقبول العرض والذهاب إليها. إلا أحد أعوانه واسمه قُصير خالفهم الرأي وقال له إنها صاحبة ثأر لديك، فاحذرها واطلب منها المجيء. ما حصل هو أن جذيمة رفض مشورة قُصير، وذهب إليها فقتلته. والغريب في الأمر أن هذا المُعارض هو من بين كل حاشية جذيمة ووزرائه من قام بجدع أنفه ليخدع الزبّاء ويأخذ بثأر جذيمة منها. وبذلك ذهب المثل «لأمرٍ ما جدعَ قُصير أنفه». هو درس لكل صاحب قرار، بأن المخلصين هم ليسوا بالضرورة الذين يطأطئون رؤوسهم دائما بالموافقة. فدريد بن الصمة كان أكثر الذائدين عن أخيه حتى الموت رغم أنه لم يُؤخذ برأيه، وقُصير خاطر بحياته رخيصة من أجل الثأر لجذيمة، الرجل الذي سفّه رأيه.
ومن الأمثلة المشابهة لقصة دريد بن الصمة في أدبيات القرارات الجماعية، قصة الطائرات الحربية البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث لوحظ أن الطائرات المقاتلة البريطانية التي كانت ترسل لقصف أهداف على الأراضي الألمانية وتعود مصابة لتسقط على الأراضي البريطانية، لوحظ بعد دراستها من قبل جهاز من المهندسين أن الإصابات تكاد تتركز في مناطق معينة من جسم الطائرة. وعلى إثر ذلك اجتمع مجلس من القادة العسكريين لتقرير ما يمكن عمله لتلافي أوجه القصور. وقد اتجه الرأي أن يعمدوا إلى توجيه المصانع الحربية البريطانية بتقوية وتمتين هذه المناطق الضعيفة من جسم الطائرة، حتى تستطيع تحمل ضربات المدفعية الألمانية. وقبل أن ينفض الاجتماع بقراره بالإجماع، نهض أحد الأعضاء مترددًا وقال: أنتم لا تعرفون ما حصل للمقاتلات الأخرى التي سقطت قبل أن تصل إلى الأراضي البريطانية. ماذا لو كانت ضربت في مناطق أخرى؟ ألا ترون أن ما وصل إليكم من المقاتلات هي من ضربت في أقوى المناطق في جسمها لذلك استطاعت أن تصل؟ لاحظوا هنا، أن هناك خيارين مطروحين فقط، إما تقوية المناطق المحددة في جسم الطائرة أو لا شيء. ولاحظوا كذلك أهمية الخروج من عقلية القطيع وإعمال العقل والضمير، من الشخص الذي قلب الطاولة عليهم رأسا عَلى عقب، محاولا إنقاذ بريطانيا رُبما من هزيمة نكراء.
يضاف إلى ذلك قصة الهجوم الياباني على مرفأ بيرل في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لم يأخذ العديد من المسؤولين الكبار في المرفأ التحذيرات الصادرة من العاصمة واشنطن على محمل الجد، بخصوص احتمال وقوع هجوم ياباني، بالرغم من حقيقة اعتراض كثير من الرسائل اليابانية بهذا الخصوص. وكان اعتقاد الذين تقاعسوا عن القيام بواجباتهم، أن اليابانيين لن يجرؤوا على محاولة الاعتداء على أمريكا لأنهم يعرفون مغبة القيام بحرب مع الولايات المتحدة.
وهناك بحث رصين قامت به دينا بادي، الأستاذة بجامعة كونينيكيت بأمريكا، ونشر في العام 2010 في مجلة Foreign Policy Analysis، وتناقش فيه عقلية القطيع فيما يخص قرارات إدارة الرئيس بوش في حربه على الإرهاب واحتلال العراق. وهي تتحدث عن المجموعة الصغيرة التي كان أعضاؤها يديرون النقاش حول موضوع العراق. وتضم بالإضافة إلى بوش نائبه ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ووزير الخارجية كولن باول، ومستشارة مجلس الأمن القومي كوندوليزا رايس، ورئيس المخابرات الأمريكية جورج تانيت، وآخرين.
وهي تعتبر قرار إدارة بوش لاحتلال العراق ضمن حرب أوسع نطاقا على الإرهاب، أنه كان مدفوعا بشكل مرَضي من قبل عقلية القطيع التي تسيطر على المجموعة المحيطة ببوش، والذي سبب تحولا جذريا في وجهة نظر الإدارة تجاه العراق من بلد مثير للقلق إلى بلد يشكل تهديدا جديا لأمن الولايات المتحدة. إن ما حدث يوضح عدم قدرة الادارة على التقييم النقدي للمعلومات، مما أدى إلى عدم وجود البحث الجدي عن المعلومات، وتحيز في معالجة المعلومات، وعدم دراسة مخاطر هذه السياسة. وبوقوع هذه المجموعة ضحية عقلية القطيع، فقد بنت الإدارة سياستها استنادا إلى أدلة جزئية وغير حاسمة، واعتقدت المجموعة بأخلاقية قراراتها، ورفضت تحذيرات بشأن النكسات المحتملة. كما قامت بضغوط داخلية لفرض الإجماع (خاصة الضغوط التي مورست على كولن باول وجورج تينيت)، وانتقلت إلى موقف متطرف وإلحاح مسعور لمواصلة سياسة الحرب على العراق.
وذكر الخبراء والباحثون في مجال القرارات الجماعية أنه يمكن تجنب عقلية القطيع باتباع بعض الإجراءات التالية: (1) لا بد أن يعيِّن قائد المجموعة دور المقيِّم الناقد لكل عضو من المجموعة، و(2) يجب أن يتجنب القائد ذِكر توقعاته والبدائل التي يفضلها، في بداية الاجتماع، و(3) يقوم كل عضو في المجموعة باستمرار بمناقشة مداولات المجموعة مع عضو آخر يثق به ويذكر للمجموعة ردة فعل زميله، و(4) يستضاف خبير أو أكثر في كل اجتماع بشكل متعاقب. على أن يُشجَّع الخبير على تحدي وجهات نظر الأعضاء، و(5) يُعطى عضو واحد على الأقل من المفوّهين والمطلعين، دور المشاكس من أجل التشكيك بافتراضات وخطط المجموعة، و(6) يجب على قائد المجموعة أن يفرّغ جزءا مهما من وقت الاجتماع لاستكشاف إشارات الإنذار من المنافسين. ويقوم القائد وفريقه ببناء سيناريوهات بديلة مبنية على نوايا المنافسين أو الجهة المقابلة.
والخلاصة من الأمثلة التي وردت، أنه يمكن أن يُجْمِع الناس على خطأ. ويصح هذا الكلام أكثر كلما قل عدد أفراد المجموعة، إذ يصعب حدوث عقلية القطيع في المجموعات كبيرة العدد. فالعائلة وزملاء العمل واللجان وفرق العمل ومجالس الإدارات كلها عرضة لعقلية القطيع. وتكون خطورة الأخطاء بخطورة موقع المجموعة ومدى تأثيرها في حياة الناس. لذلك، من المهم أن نبقى دائما مستقلين لا تابعين في آرائنا، وعندما نفكر في أمر، نفكر في نقيضه أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.