بصراحة متناهية، لم أكن أتوقع الإجابة التي صعقني بها صديقي حينما سألته عن اقتنائه كتابا ما، فقال بنبرة ساخرة : «يمقن إيه ويمقن لا»، وأردف قائلا: لا تتعجب من عبارتي تلك، فهي لغة جيلنا السعودي (الانترنتي) الجديد. انتهت مكالمة (يمقن) وتوجهت مباشرة إلى الانترنت باحثاً عن خبايا لغة (الجيل السعودي الإنترنتي) لأتفاجأ بكم هائل من الألفاظ المستحدثة التي ابتكرها جيل الانترنت لعالمه الخاص، وآخر تقليعاته فيها : الرد عليك بعبارة : يا (حافظ يا عقايل الله) بمجرد أن تذكره ببرنامج : حافز. هذه اللغة الجديدة والعبارات الضاربة في السخرية، والحس الفكاهي العالي بات سمة متصاعدة الحضور في مجتمعنا السعودي، فلا يمكننا بأي حال من الأحوال تجاوز النظر فيها بكامل الجدية، على الأقل لدراستها كظاهرة اجتماعية اقتحمت بقوة صرامة وثبات واقعنا السعودي، فما عليك أخي القارىء إلا أن تتجول قليلا في قنوات التواصل الالكترونية ك (الفيس بوك) و(التويتر) ومنتديات الانترنت لتتأكد من أن السعوديين امتلكوا مهارة فائقة في ابتكار الحديث الساخر والفكاهة المدقعة والتعليقات اللاذعة. إن تصعد خطاب الحس الفكاهي الساخر في مجتمع ما حتى وإن عُدَّ ردة فعل سريعة وانطباعية تجاه مستجدات الحياة ففي الجانب العلمي ينظر إليه بوصفه مؤشراً على رغبة عارمة في التنفيس والفضفضة والبحث عن آلية مشاركة في صناعة واقع المجتمع وقراراته. وإذا أيقنا أن من طبيعة المجتمعات التجدد والتغير، فأحسب أن فن السخرية هذا تصاعدت وتيرته في مجتمعنا لعدة عوامل : كتجليات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وتصاعد بعض الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وظهورها بشكل جلي على السطح، وتحديداً تلك القضايا المندرجة تحت حكم المسكوت عنه في المجتمع السعودي كقيادة المرأة، وزواج المسيار ، والسينما، والفساد الإداري، وعمل المرأة وغير ذلك كثير، هذا كله واكبته ثورة معلوماتية اتصالية هائلة، وجيل سعودي شاب امتلك ببراعة ملكة التعاطي مع هذه الثورة التكنولوجية، فحدث أن أصبح الانترنت قلعة الساخرين وحصنهم الآمن، ما أتاح لهم قول كل شيء وأي شيء، والعجيب أن أسماء المنتديات التي ينضوي تحتها أصحاب هذه اللغة الجديدة لا تخلو البتة من الغرابة وخفة الظل والتجاوز أحيانا، كقلعة (المقلعين)، أو ملتقى (الاستهبال)، أو (خيمة الخالصين) ومسميات أخرى تفوق هذه دهشة وغرابة. هذا الخطاب السعودي الساخر صدى حقيقي وطبيعي لحراك اجتماعي صنعته الظروف والمستجدات، وبات مؤثراً عبر آليته المتنوعة، التي شملت كل درجات السخرية من الطرفة والدعابة والنكتة والفكاهة والرسم الكاريكاتوري، وصولا إلى ما نسميه في فن المسرح بالكوميديا السوداء، التي يمتزج فيها الضحك بكثير من الحسرة والألم، والخطاب السعودي الساخر استطاع بلوغ هذه الحالة من السخرية الموغلة في الألم، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهذا كاريكاتور يظهر شابا سعوديا يجر غولا ويصرخ : أخيراً وجدت شخصا تنطبق عليه شروط ( حافز )، أو أسلوب السخرية ب «عزيزي ومثلا»، فأحدهم يخاطب نظام ساهر قائلا: عزيزي ساهر : أحول عليك راتبي مثلاً! أو عزيزي نظام ساهر : ليش تحب تسهر مثلا؟! أقول: إن تصعد خطاب الحس الفكاهي الساخر في مجتمع ما حتى وإن عُدَّ ردة فعل سريعة وانطباعية تجاه مستجدات الحياة ففي الجانب العلمي ينظر إليه بوصفه مؤشراً على رغبة عارمة في التنفيس والفضفضة والبحث عن آلية مشاركة في صناعة واقع المجتمع وقراراته. Twitter: @SamiAljuman