حين كان الجسد في الكويت، كان القلب يهفو لنجد ويتوق لدرتها الرياض، وعندما كان القلب ينبض شوقاً، ويتألم وجداً لأرض الآباء والأجداد كان الحلم الكبير ينبثق من ساحل الخليج فيرفرف بجناحي صقر وبعينين ثاقبتين لا تريان إلا تلك البقعة الغالية التي كانت تبعد عنه مئات الأميال، وعندما تتجلى الإرادة العالية ويتداعى التصميم والإقدام في ذلك الشاب اليافع ذات مساء لم يفت في عضده صعوبة المهمة وشراسة العدو وعقبات المواجهة وطول الطريق وقلة العدد والعدة والعتاد. وفي ليلة من ليالي المجد التليد تشرق شمس الرياض لسراة الليل فيهتف الصباح بمقدم «عبدالعزيز» بنصر مؤزر وشجاعة لا يملكها إلا القادة الملهمون الأفذاذ وتبدأ وقتها وبعدها الانطلاقة الكبرى، والملحمة العظمى التي وحد فيها الملك المؤسس -طيب الله ثراه - هذه البلاد المترامية الأطراف تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله). إنه الحلم الذي تحول إلى حقيقة فسجله التاريخ الحديث بمداد من ذهب، وإنها حالة تاريخية أشبه ما تكون بالمعجزة، تلك المعجزة التي بدأت بإرادة شاب لم يرض أن يفرط في ملك آبائه وأجداده فأشعل جذوة حماسه ثم حدد هدفه وغايته فبدأ بالرياض، ثم بتوحيد البلاد، وأتبعها بتكوين الدولة الحديثة التي أضحت علامة فارقة على المستويين الإقليمي والعالمي. وعندما نتأمل هذه المساحة الهائلة التي تتربع عليها بلادنا سنجد أنها ما كانت لتتوحد وتنتظم وتكتمل إلا بتوفيق الله ثم بعبقرية صقر الجزيرة -رحمه الله- الذي قاد وضحى بنفسه، ووجه جيشه، وقاتل بسلاحه، وواجه الأخطار بعزيمة لا تلين حتى تمكن من تحقيق هذا المنجز العظيم الذي تمكن من خلاله توحيد هذا الكيان الذي كانت تمزقه الحروب والفقر والجهل والمرض. وبعد توحيد البلاد يمن الله على بلادنا المباركة فتتفجر ينابيع الخير فتزهر الصحراء القاحلة بالنماء، وتنقلب كثبان الرمال والهضاب وصخور الجبال لتصير حدائق غناء وينعم أهل هذا الوطن الأبي بالخير والعطاء، ثم ترثي الجزيرة موحدها وصقرها فيبزغ في السماء نجوم أبنائه البررة المغفور لهم -بإذن الله- الملوك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، الذين ساروا على نهج المؤسس واقتفوا أثره فأمسكوا بزمام أمور الدولة، وأرسوا دعائمها بكل قوة وثقة وعزيمة فأكملوا المسيرة المظفرة بكل مقدرة وتفان، وأفنوا أعمارهم خدمة لهذه الأرض المباركة ولمواطنيها الكرام فقدموا من المنجزات المبهرة التي ارتقت بالمملكة إلى مصاف الدول الحديثة، ثم يأتي العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله، وأطال في عمره ومتعه بالصحة والعافية- فيجري الخير مدراراً وتتوالى الإنجازات التنموية في مختلف المجالات بلا استثناء، ونصل إلى أعلى إنفاق على المشاريع في تاريخ المملكة في الوقت الذي تم فيه وبشكل أساسي الاستثمار في الإنسان في نظرة تستشرف مستقبلاً زاهراً للوطن والمواطنين. إن وطننا الحبيب أنموذج فريد للوحدة والتلاحم، إذ أن من أعظم المنجزات التي تبلورت من عهد الملك المؤسس -رحمه الله- إلى العهد الحاضر الزاهر هو ذلك النسيج الفريد الذي يجتمع فيه إنسان هذا الوطن من وسطه إلى شماله وجنوبه ومن شرقه إلى غربه تحت راية الحق لينصهر الجميع في لحمة واحدة وشعور واحد وغاية واحدة تجاه هذا الكيان العظيم. وإن الحفاظ على هذا النسيج الأنموذج لهو من أهم الأهداف التي ينبغي أن يستشعره كل مواطن، ويجب في ذات الوقت أن نربي أبناءنا ونغرس فيهم هذا الشعور فالمحافظة على هذه الوحدة الوطنية مسؤولية كبيرة يشترك فيها الجميع، وإن من المهم كذلك أن ننشئ حصوناً منيعة تصد وتأخذ على يد من تسول له نفسه العبث والإضرار بهذه المكتسبات التي تحققت وتعتبر ميزات نوعية وخصائص جوهرية لوطننا الغالي أرضاً وإنساناً لا نكاد نجد لها مثيلاً. من (قصيدتي الأحلى لوطني الأغلى ) للشاعر حسين النجمي فمن سيد الأوطان قد أشرق السنا هو الشرف العالي ثراه هو الأغلى، وإن سحرتنا في سواه مناظر فصحراؤه الجرداء جنتنا الأحلى، عشياتنا تحلو على أكماته ورملته تغدو لأعيننا كحلا، إلى أرضه تهفو القلوب مشوقة إليه كبدر في دجى الليل قد هلا، وما مسلم في الأرض إلا وروحه إلى موطني قد يممت حينما صلى، هفت روحه للمسجدين ورفرفت على زمزم مزهوة حينما علا، أيا موطن الأمجاد والعز والندى سنفديك بالأرواح إن جاءت الجلى، فأنت لنا في موسم الجدب غيمة وأنت لنا في شمسنا الماء والظلا، وأنت لنا أنشودة الحب عذبة ترانيمها تهدي لك الورد والفلا). متخصص تربوي