(جزيرة فاضل) التابعة لمركز أبوكبير بالشرقية ليست قرية عادية بل تعتبر أكبر قرية فى مصر تضم لاجئين فلسطينيين، حيث تحوي 3 آلاف لاجئ ففى شوارعها تفوح رائحة عرق الشعب الفلسطينى الشقيق وعاداته وتقاليده وآلامه وهموم شعبه فى البحث عن حياة آمنة، فيما يرسم ملامح الشوارع بيوت طين متواضعة تتخللها شوارع ضيقة. جميع منازل القرية من الطين وأطفالهم بالشوارع معظمهم رعاة ومرضى، وآخرون يجمعون القمامة ومخلفاتها لبيعها، ونادراً ما تجد بيتا خرسانياً بنى حديثا لاستيعاب الزيادة السكانية. وكلمة الجزيرة ما هي إلا انعكاس لعزلة هؤلاء القوم عن هذا البلد فعندما كنا نحاول الوصول للقرية ونسأل الباعة أو السائرين على الطريق قائلين : جزيرة فاضل ؟ تبدأ الإجابات بنوع من العجب وأحيانا أخرى بعدم المعرفة، فنقول لهم: الجزيرة اللي ساكنها فلسطينيون فيردون: أها جزيرة العرب !! حالة الانفصال، وضحت لنا قبل أن تطأ أقدامنا حدود هذه القرية حالة من الهدوء الغريب في المكان على عكس خارجها طريقة بناء كثير من البيوت وشكل الشوارع لم يكن بنفس الطريقة التي شهدناها في الأماكن المحيطة، رأينا كثيرا من العربات التي تُساق بالحمير محملة بالقمامة ونساء كثيرات يركبن الدواب حاملات التبن. «اليوم» هناك (اليوم )حاولت طرق أبواب القرية لترصد بعيون أهلها مشاكلهم وتنقل للناس معاناتهم. عندما وجد الأطفال الكاميرا التي أحملها بدأوا بالركض خلفنا وطلبوا منا تصويرهم كانت لهجتهم خليطا من الفلسطينية والمصرية الريفية، عشرات الأطفال أحاطونا، منهم من كان تواقاً لتصويره، وآخرون كانوا يشعرون بالخجل الشديد من التصوير. نسبة البطالة فى بداية جولتنا التقينا بالشاب الفلسطينى ياسر الليمونى (صاحب محل الحلاقة ) داخل الجزيرة جلسنا لتناول الشاي.. وروى حكايته لنا بحزن: نعيش فى مصر ونحبها كفلسطين وشربنا من نيلها وكبرنا على أرضها وندعو الله ان تظل دائما آمنة مطمئنة وشعبها الكريم. وهناك أكثر من 4 آلاف فلسطينى يشتكون حرمانهم من التعليم والخدمات الأساسية ما كان سبباً أساسياً فى عمالة الأطفال وانتشار الجهل بينهم، وهذا جاء بالأثر السيئ على أهالى القرية ومن حولها. وتعانى الجزيرة من زيادة نسبة البطالة فالجميع يعملون بالأجر اليومى فى الزراعة كفلاحين يستأجرهم أصحاب الأراضى المجاورة، ولكن مهنتهم الأساسية جمع القمامة واستخراج المنتجات البلاستيكية منها لإعادة تدويرها. والقرية تعانى أيضا من زيادة نسبة الإنجاب فالرجل الواحد يتزوج أكثر من سيدة وينجب عشرات الأطفال وتقع أقرب مدرسة للجزيرة في أبو كبير التي تبعد عن الجزيرة أكثر من ثلاثة كيلو مترات وفي أفضل الأحوال ينهي الطفل تعليمه الابتدائي ويخرج من التعليم لعدم قدرة ذويه على تحمل تكاليف الحياة. وأضاف :كما نعمل على حل مشاكلنا اليومية والحياتية بالطرق العرفية والودية بالديوان، حيث يوجد مجلس عرفي مكون من 7 أفراد منصهرين تماما مع المجتمع المصري على المستويين الشعبي والرسمي مع الاحتفاظ بالعادات والتقاليد الخاصة بنا مطالبا الأجهزة التنفيذية تسهيل إجراءات إلحاق أبنائهم بالمدارس. طوال حياته وأثناء تجوالنا داخل الجزيرة التقينا بالحاج سليم سليمان الليمونى، ويبلغ من العمر (49) عاما، وأوضح قائلا: ولدنا فى الجزيرة وجميعنا فلسطينيو الجنسية ولكن نعتبر أنفسنا مصريين قلباً وقالباً، شربنا من النيل، ونكن لمصر وشعبها كل الحب على إيوائها لنا ونعتبر أننا مصريون بروح فلسطينية فالجميع ولدوا بالجزيرة ولم يسافر أحد قط طوال حياته لفلسطين وتزوج أبناء الجزيرة من مصريات وزوجنا بناتنا للمصريين. أهالى الجزيرة وأضاف: الجزيرة لا يوجد بها صرف صحي بينما دخلت إليها الكهرباء والمياه عام 1995 ويعانى أهالى تلك الجزيرة أشد المعاناة وخاصة أن الدولة الفلسطينية لم تقدم لهم أى دعم ولم يعلم عنهم أحد شيئا إلا بعد زيارة السفير بركات الفرا لهم منذ عدة سنوات لافتتاح دار الضيافة وفصل لمحو الأمية أقامهما الأهالى بالجهود الذاتية وأهالى القرية ظلوا ينعمون بجميع المميزات التى لا تفرقهم عن أشقائهم المصريين فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حيث أمر بتعليمهم فى المدارس المصرية وعلاجهم فى المستشفيات الحكومية والحصول على بطاقات التموين مثل المصريين وظلت العلاقة حتى العهد الأخير من حياة الرئيس (السادات) وفى حالة ذهاب الأطفال للتعليم يجب الحصول على وثيقة له من السفارة رغم أننا كنا نقدم لأبنائنا فى المدارس بشهادة الميلاد فقط وأن هذا التصرف جعل البعض يعزف عن تعليم أبنائه، وفى عهد مبارك تم سحب جميع المميزات وسحب بطاقات التموين التى كانت متبقية وإيقاف المعاشات للفلسطينيين بمصر وأن الرئيس المعزول محمد مرسي لم يقدم شيئا. ورغم مولدى على أرض مصر وزواجى من مصرية ولدى 15 ابنا وابنة، وأتمنى العمل بوظيفة مناسبة لعمرى لكننى لم أستطع الحصول على الجنسية لخطأ في إثبات قيد والد الزوجة مما تم حرمانى وحرمان أولادى من الحصول على الجنسية المصرية. وكي أقوم بإلحاق أحد أبنائي للتعليم يجب علي السفر للقاهرة 4 مرات ونقل أوراق وتوقيعات تستلزم أكثر من 4-5 شهور فضلا عن مصروفات تتخطى 1200 جنيه. وأوضح مش عارفين نسافر أو نشتغل في أي مكان بره مصر ومش مسموح لنا نسافر غير للحج والعمرة، مطالبا السلطات المصرية بتصحيح الأوضاع لأهالى الجزيرة حتى يتمكنوا من السفر للعمل بالخارج لأن الوثيقة المصرية للاجئين لا تمنحهم هذا الحق. مشاكل الفقر وحديثنا معه جعله يأخذنا إلى الحديث مع والدته الحاجة فرحانة محمد سليمان وتبلغ من العمر (75) عاما، وقالت: الجيلان الأول والثاني من اللاجئين الفلسطينيين حافظوا على العزلة فلم يتزوجوا إلا من فلسطينيين إلا أن الجيلين الثالث والرابع خرجا من هذه العزلة واختلطا بالزواج من مصريين ومصريات رغبة في الحصول على الجنسية إلا أن أغلبهم لم يستطيعوا ذلك. والجزيرة تعاني من مشاكل الفقر فكل من فيها يسكنون منازل الطوب اللبن والخوص ولا تصلهم مياه صالحة للشرب مما يدفعهم للخروج لأكثر من 3 كيلومترات لملء زجاجات المياه الصالحة. وأضافت قائلة :النساء يعملن في نخل القمح وطحنه باليد لصنع الخبز فهم مضطرون لإعالة أنفسهم في الوقت الذي لا يسمح لهم بشغل وظائف القطاع العام.وأن المنازل في جزيرة فاضل يتم تغطية أسقفها بالقش أو ورق النخل كما ان الغالبية العظمى من البالغين والأطفال من الأميين غير قادرين على الالتحاق بالمدارس الحكومية المنخفضة التكلفة ونادرا ما تجد بيتا خرسانيا بني حديثا. وحلمت طوال عمري أن أحصل على الجنسية المصرية ولكنني لم أستطع رغم أن أولادي تزوجوا من مصريات إلا أن أزمة الحصول على الجنسية مازالت قائمة. تساقطت الدموع وفى شارع آخر من شوارع وحارات (جزيرة فاضل )التقينا بالمعمرة الفلسطينية نافلة حسين سالم، وتبلغ من العمر مائة عام، وأثناء اقترابنا منها تساقطت الدموع من عينيها قطرات لتحدثنا باكية: نعيش فى مصر منذ عام 48وشربنا من نيلها وكبرنا على أرضها ومستعدون للدفاع عنها من أى سوء ونكون فى مقدمة الصفوف للدفاع عنها، فنحن أكثر من 4 آلاف فلسطينى نعيش بالقرية، جميعنا ولد فى مصر ويدين لها بالولاء، فنحن مصريون بروح فلسطينية ودائما نحكي لأبنائها عن فلسطين كما حكى لنا آباؤنا وكما حكى لهم جدودنا وكما حكى جدود الجدود مستطردا نحكي كيف خرجوا وليش خرجوا؟ وكيف صاروا؟ ومين بقي؟ ومين راح يبقى ولمين الأرض؟. ملامح الجزيرة والتقينا بالمسن الفلسطينى حسين حسان حسن من مواليد 1937 الذى يلتفت يمينا وشمالا ليتأمل ملامح الجزيرة التى آوته ويسرد تفاصيلها قائلا: هاجر جدى ووالدى عام 1948 من بئر السبع بفلسطين ومعهم 40 أسرة جميعهم من قبيلة واحدة تدعى (الإحسانات) قادمين إلى قطعة أرضة فضاء بالشرقية اسمها (جزيزة فاضل) لا يوجد بها أحد وكانت جرداء لا زرع فيها ولا ماء فمكثنا بها وعمرناها وتكاثرنا فيها ومات ودفن بعض أهلنا فيها. فنحن بدو نحب الانطلاق والأماكن الواسعة لتربية الإبل والأغنام والاتجار بها، والآن أعانى من أمراض عديدة وأتمنى أن أجد من يراعيني صحياً ومادياً. وأضاف قائلا :لا يزال كبار السن في العائلة الأم أو الأسر المتشعبة منها خاصة ممن عاصروا النكبة، يحتفظون بمفاتيح بيوتهم في فلسطين على أمل العودة يوما إليها مهما طال أو قصر الزمان، هذا المفتاح يتوارثه جيل بعد جيل. شهادة ميلاد وقال حسين حسان ويعمل (سائق توك توك) ويبلغ من العمر (41) عاما : يوجد عدد كبير من أطفال الجزيرة من ذوى الاحتياجات الخاصة خاصة الصم والبكم، وبالرغم من معاناتهم، أطالب السلطات المصرية بتصحيح أوضاعنا القانونية حتى نتمكن من السفر للعمل بالخارج لأن الوثيقة المصرية للاجئين لا تمنحنا هذا الحق، وأن الأوضاع الصحية في غاية السوء خاصة بين الاطفال نظرًا لطبيعة عملهم في جمع القمامة وحرقها وإعادة تدويرها. كما أطالب أجهزة الدولة بتسهيل إجراءات دخول أبناء الجزيرة المدارس المصرية بشهادة الميلاد أسوة بالمصريين، وذلك لأنهم ولدوا داخل البلاد، وحصلوا على شهادة ميلاد رسمية، فلماذا تتم معاملتهم كوافدين؟ عشان ندخل واحد من ولادنا المدرسة لازم تصريح من السفارة الفلسطسينية بالقاهرة وموافقة من وزارة التربية والتعليم وموافقة الإدارة التعليمية بمديرية الزقازيق، وبحث اجتماعى يثبت عدم قدرتنا على إلحاقهم بمدرسة خاصة كما أن الدولة قطعت معاش الضمان الاجتماعى عن أكثر من 100 من المعاقين بالجزيرة بعدما كنا نتقاضاه منذ أكثر من 10 سنوات وأضاف: بمساعدة الأهالي تم بناء مركز طبي لخدمة أهالي القرية وإنشاء فصل محو أمية بدوره تطوع أحد أبناء الجزيرة للتدريس للأطفال بالمجان، ولكنه وحده لا يكفي لإعادة تطوير ذلك المكان المفتقر للخدمات وأن انتشار الجهل بالجزيرة أدى إلى زيادة نسبة زواج الأقارب ولذا نجم عنه ولادة أطفال معاقين. تكاليف الحياة ويقول سلامة حسين ويبلغ من العمر (37) سنة وتحدث قائلا : يبلغ تعدادنا داخل الجزيرة نحو 4000 شخص حتى الآن وذلك لتزاوج الكثير والإنجاب المتكرر وجميع الشباب بالجزيرة يمتهنون المهن الموسمية وهي العمل بالأراضي الزراعية وجمع المحاصيل الزراعية ومنهم جزء يعمل بالحرف المهنية والجزء الآخر في جمع القمامة وفي أفضل الأحوال ينهي الطفل تعليمه الابتدائي ويخرج من التعليم لعدم قدرة ذويه على تحمل تكاليف الحياة. الخدمات الأساسية وقال حسين راجح حسين ويبلغ من العمر (33) سنة: ان سكان الجزيرة يعانون الأمرين من قسوة الحياة وأن جميع الفلسطينيين سكان المنطقة تقدموا بكثير من الشكاوى للمسئولين لتوفيق أوضاعهم إلا أنه لم يعرهم أحد اهتماما وظلت شكواهم حبيسة الأدراج لأن الوثيقة المصرية للاجئين لا تمنحهم هذا الحق، وإن المنطقة تعانى من نقص الخدمات الأساسية وتجاهل من المسئولين فالمنطقة ليس بها أى نوع من الخدمات مثل الصرف الصحى ومياه الشرب ولا تعليم كما يتكبد الفلسطينيون المصريون مصاريف الإقامة وجواز السفر وتراخيص العمل ولا يحق لهم البقاء خارج مصر أكثر من ستة أشهر بالإضافة إلى قلة فرص العمل المتوافرة لهم، مطالبا السفارة الفلسطينية والحكومة المصرية بالتعامل معهم باعتبارهم مصريين، هناك أجيال ولدت وتربت وعاشت في مصر ولكنها تعامل معاملة المغترب.