قالوا في الحماقة: من كل شيء تستطيع وقاية الأحمق إلا من نفسه ، ومن كل شيء تستطيع أن تداويه إلا من حمقه، والأحمق ليس هو من يرتكب الحماقة فحسب بل إنه من يرتكبها وهو لا يدري، وعندما يقال (عقل من ريش وقلب من فولاذ) فليس أدل من هذه الواقعة حتى نتيقن صدق المقولة: رجل بالغ يضع طفله الذي لم يتجاوز أشهراً في قدر كبير وعلى موقد -غير مشتعل- ويضع حوله بعض الخضراوات وبيده ملعقة طعام كبيرة يقلب فيها الخضار وهو يقول مبتسماً: هذا عشانا الليلة!! ويفتح غطاء القدر الكبير ويغلقه عليه!! ومن حوله أصوات تضحك وتعلق ومن بينهم أصوات أطفال يطلبون من الأب التريث في إغلاق القدر لأنهم يريدون تصوير وجبة العشاء! وهناك من أمسك الكاميرا ليصور المنظر في مقطع كامل، هذا المقطع لم نشاهده في حياتنا إلا في أفلام الكرتون (توم وجيري) عندما كان توم القط يتمكن من جيري الفأر فيضعه في قدر ويقطع عليه شيئاً مما توافر من الخضار وهو يبتسم ويغني وكنا نضحك مع عيالنا الصغار على هذا المنظر! بعض المآسي لا تحتاج إلى تعليق أو حتى إلى قلم ليكتب، فهي تتحدث عن نفسها، تتحدث عن السفه عندما يصل إلى أعلى درجاته وعن اللامبالاة في العواقب عندما تغيب العقول عن التفكير وعندما تسيطر الحماقة على صاحبها، وأنا أمام هذا المنظر أتساءل أين (الأم)؟!!! داهية الدواهي لو كانت هي التي تقف وراء عدسة الكاميرا!! لن أسهب في الحديث لأقول ماذا لو رأته العاملة المنزلية فأعجبتها التمثيلية وأسرتها في نفسها لتحولها في يوم ما إلى (إثبات واقعة وحالة) عندما تستشيط غضباً على أهل الدار!! وماذا لو كان الأطفال المحيطين بوجبة العشاء هذه قد أعجبتهم الفكرة أو ليس الأب في نظرهم هو القدوة، وماذا لو حقق الله عز وجل (فأل) هذا الأب وجعل طفله فعلاً (وجبة .....) يصعب على القلم كتابتها، رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم أمرنا (لا تتمارضوا فتمرضوا) الفأل الحسن والسيئ كلاهما ينعكس على أهله ويعطي الله صاحبه على ما تلفظ من قول!! في الغرب مجرد تأديب الأب لابنه جسدياً يعاقب عليه القانون ويحرمه من حضانته على اعتبار أنه فاقد الأهلية، فكيف لو رأوا هذه الصورة وكان الأب تحت طائلة قوانين بلادهم!! في الختام: لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها وقد قيل (ابك العاقل يوم يموت، وابك الأحمق حتى يموت). الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به عباده وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً.