أثارت مفردات وردت في نصوص القاص ناصر الجاسم في الأمسية التي نظمها مركز عبدالرحمن كانو الثقافي بالبحرين موجة من اللغط والجدل ابتدأت بانسحاب بعض الحاضرات واعتراض بعض الحضور الذين وصفوا المفردات ب «غير اللائقة» فيما اعتبرها اخرون مجرد تناول أدبي وعلمي واجتماعي. وكانت الأمسية مشتركة بين الجاسم والقاص جبير المليحان والقاص محمد البشير، وأدارها القاص المليحان، وعلق الشاعر علي عبدالله خليفة مدير المركز أن المركز خلال فترة عمله الطويلة التي امتدت على قرابة عشرين عاما لم يطلب الاطلاع المسبق على نصوص ضيوفة مانحا الضيوف حرية ومسؤولية ما يقدّمونه ولكن عليهم تحمل ما يثار من ردود أفعال. وقال الكاتب حميد خلجي إن الكاتب حرّ فيما يكتب وقد تستدعي الحالة الفنية استخدام ألفاظٍ «تكسر السائد»، ولكنّ هذا لا يستدعي تقليد بعض الكتاب الغربيين لمجرّد الشهرة دون أن يكون ثمّة داعٍ فنّي. وعلّقت الكاتبة زبيدة عبدالحميد على اعتذار القاص ناصر الجاسم عن قراءة قصته الثالثة «الشهوة السابعة» التي اكتفى بقراءة عنوانها واعتذر عن قراءتها استجابةً للأصوات المعترضة، وقالت عبدالحميد: «بغضّ النظر عن المضمون، هذا مجهود اجتماعي علمي جاد وراق، ومن غير المناسب أن يأتي كاتب من السعودية ويتمّ إسكاته في البحرين»، ما حدا بالجاسم لشكرها والتعليق قائلا: لو كنت أعلم بوجود أصوات مساندة لما توقفت عن قراءتها. وعاد الجدل مرّة أخرى مع مداخلة لأحمد عبدالعزيز الذي أكّد اعتراضاته السابقة قائلا: الكاتب ربّان وأنت حرّ في طريقة إبحارك، ولكن لو تمّ تحوير الكلمات، «فالحياء شعبة من الإيمان»، خصوصا مع حضور السيدات، الأمر الذي رفضه الجاسم قائلا: الحديث نيابة عن المرأة انتهى ويجب أن ينتهي عندنا في الخليج. وقال الدكتور صباح منصور: جرى التركيز على جانب واحد من المسكوت عنه، ولكن ليس الجاسم وحده من قارب المسكوت عنه، فالمليحان والبشير قاربا المسكوت عنه أيضا ولكن كلٌ من جهته، وهذا ناتج طبيعي للتنوّع الذي تشهده القصة في السعودية، موضحا أن القصص التي قرأت فيها من الواقعية السحرية وفيها «رشات من شغل ماركيز»، وهنّأ منصور البشيّر على اهتمامه باللغة العربية ولكن «أرجو أن لا تأخذك لغة التراث كثيراً في القصة المعاصرة». وقال الكاتب حبيب حيدر: غاص البشيّر في الذات وتميّز في إبراز شخوصه، أما جبير فحملت نصوصه إحالات خارج المكان بلغة ثرية وحافلة بالتناص مع نصوص أخرى، أما ناصر فتحمل قصصه قراءة عن سوسيولوجيا الواقع، وقد نجح القاصون في رسم صورة عن السرد السعودي. وأضاف: لدى جبير قدرة عالية على التكثيف وحمل آمال الناس وآلامهم، وقدرة على الإحالة على أمور أكبر من الكلمات وخارجها. وقرأ القاصون قصصا تنوّعت في الطول والثيمات وكان للقصة القصيرة جدا نصيب من قصص المليحان والبشيّر، حيث بدأ المليحان بقصص «صانع الملح، S O S» وعدد من القصص القصيرة جدا منها: «يد، حديقة، ثلاثة، منيرة، المقعد». وقرأ البشيّر «صه ، سوداء كقمر»، وعددا من قصصه القصيرة جدا منها: «تويتر، العنكبوت، نملة، رهاب المرتفعات». وقرأ الجاسم: «نحات التذكارات». وانتقد الدكتور يوسف العلوي الرمزية العالية في بعض القصص وقال انها مناسبة «لزمن الخوف، وقد قرأنا مثلها في زمن الستينات». وأضاف: الضغط والتكثيف عند البشيّر ذهب بالعقدة. وتساءل الشاعر عبدالوهاب الفارس إن كان القاص المليحان سيجرب كتابة الرواية أم سيبقى دائرا في فلك القصة، فقال المليحان إنه لا يعدّ نفسه أكثر من «هاو» رغم تجربته الطويلة في الكتابة إلا أنه لم يهتم بجمع نصوصه إلا مؤخرا ما أدى لضياع الكثير منها، مبيناً أنه ينطلق من احترام اللغة كثيرا ولا يكتب لمجرد الكتابة بل يحاول تجاوز ما يكتب دائما، ما أوصله إلى تجاوز القصة إلى تجربة القصة القصيرة جدا التي يسميها «القصة الصغيرة»، وما أوصله إلى كتابة نصّ طويل يعتبره «رواية» سيظهر إلى القارئ بعد شهر. وعلّق البشيّر على المداخلين قائلا: على القارئ أن يجد العقدة في القصة القصيرة جدا حين يملأ مساحة البياض في النصّ بنفسه، أمّا الترميز فهي قضية جمالية لم تعب النصوص المقروءة ولم تتناقض مع التواصل باعتبار أنها وصلت للمتلقي بشكل جيّد. وختمت الأمسية بتعليق لمدير المركز الشاعر علي عبدالله خليفة أكّد فيها تنوّع جمهور المركز بين الدكتور والمتخصص والأديب والفنان والشاعر والإنسان البسيط، مبينا أن ردود الأفعال تعكس هذا التنوّع في المستويات والثقافات بشكل طبيعي.