صدقك وهو كذوب ذلك هو وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه يعالون خلال الكلمة التى ألقاها العام الماضي في مؤتمر هرتسيليا لمكافحة الإرهاب الدولى، عندما قال: "إن الربيع العربى لم يجن سوى القلق فى منطقة الشرق الأوسط، وتحول الربيع إلى خريف قارس للدول التى سعت إلى التغيير". وأضاف: إن الربيع العربى أدى إلى صعود الإسلاميين المتطرفين، وبعد فشلهم تم الإطاحة بهم، والنتيجة هى تدهور الأوضاع الأمنية". فالانتفاضات الشعبية التي اجتاحت دولا كثيرة في الشرق الاوسط منذ أواخر عام 2010 واسقطت أنظمة حكمها، ابتدأ من تونس بعد حادثة اشتعال النار في جسد (محمد البوعزيزي) مرورا بمِصْر وليبيا وانتهاء باليمن وسوريا، قادت بلا شك الى انهيار النظام القديم وهدم وتفكيك البناء السياسي والاجتماعي القائم وفي ظل غياب البديل الجاهز لقيادة المجتمع، اتجهت الامور الى حالة من الفوضى العارمة والاضطراب واصيبت المؤسسة العسكرية بشقيها، الجيش والامن، بفقدان السيطرة على الاوضاع الامنية وعدم القدرة على احتواء الحراك والفوضى الجماهيرية وما نجم عنها من اضطرابات ومظاهرات، مما انعكس بدورة في فقدان القوى السياسية القدرة على تسوية العملية السياسية وآليات الحكم في البلاد مما ادى الى فقدان الاستقرار السياسي. فوفقا لتقارير مؤشر السلام العالمي Global Peace Index الذي يصدر عن معهد الاقصاد والسلام والمبني على عدة مؤشرات من ضمنها مؤشر عدم الاستقرار السياسي، ارتفعت درجة عدم الاستقرار السياسي لكثير من دول ما يسمى بالربيع العربي. فعلى سبيل المثال جرى تصنيف مصر في المركز (143) من جملة (162) دولة في عام 2014 بعد ان كانت تحتل المركز (52) في عام 2010. اما ليبيا فقد جرى تصنيفها في المركز (133) في عام 2014 بعد ان كانت تحتل المركز (52). اما اليمن فقد جرى تصنيفها في المركز (147) في عام 2014 بعد ان كانت تحتل المركز (133). واخيرا تونس فقد جرى تصنيفها في المركز (79) في عام 2014 بعد ان كانت تحتل المركز (37). فالبيئة التي تتميز بعدم الاستقرار السياسي هي البيئة المناسبة لاستنباط الارهابيين والجماعات الجهادية الضالة لتحقق نزواتها من سطو وسلب ونهب واعتداء وتعاون مع جهات اجنبية او مع تنظيمات ارهابية بالخارج. ففي دراسة حول الربيع العربي ومستقبل الارهاب والعمليات المسلحة الصادر عن معهد جين المتخصص بقضايا الارهاب إنه " في العام 2009، تم تسجيل ما مجموعه 7،217 من الهجمات في جميع أنحاء العالم وفق عدد من المصادر. وفي عام 2013، ارتفع هذا العدد بنسبة أكثر من 150 في المائة ليصل الى 18،524 هجمة". ولفتت وزارة الخارجية الامريكية في تقريرها السنوي حول الارهاب للعام 2013 الى أن حجم الهجمات الإرهابية العالمية قد زاد بنسبة 43 بالمائة خلال الاعوام الماضية. واعتبر التقرير أن تدهور الوضع الأمني في العراق والحرب الأهلية في سوريا والتمرد المستمر في اليمن، من العوامل التي ساهمت في تزايد العمليات الإرهابية بشكل عام. وبالتالي هناك ارتفاع حاد طرأ على وتيرة الارهاب والعمليات المسلحة بعد ما يسمى بالربيع العربي. فدول ما يسمى بالربيع العربي اصبحت تربة خصبة لجذب آلاف الارهابين من الداخل ومن الخارج، الذين استفادوا من الفوضى السائدة ونقص الحوكمة وتدفق المال الآتية من دول اقليمية للمجموعات المتطرفة. ففي ظل غياب مؤسسات الدولة وخاصة مؤسسة الجيش والشرطة تشكلت كثير من المليشيات الارهابية التي أعلنت عن نفسها من خلال عملياتها الإرهابية، أو التهديد بتنفيذ عمليات عنيفة، مثل جماعة «أنصار بيت المقدس»، و«جند الإسلام»، و«كتيبة النصرة»، و«التكفير والجهاد» في مصر، و«أنصار الشريعة»، في ليبيا، وتنظيم «الدولة الإسلامية في ليبيا ومصر»، والعشرات من التنظيمات المسلحة في ليبيا. ولم تسلم تونس من تمدد الجماعات المسلحة على أراضيها، وتنتمي إجمالا، لفكر القاعدة، ومنها تنظيم «أنصار الشريعة»، وبعض من جهاديي سوريا ومالي العائدين. وفي اليمن انبثقت جماعة «أنصار الشريعة» فرعا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ناهيك عن «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» اللذين ظهرا في سوريا. هذه الجماعات استغلت الفراغ الامني فاغتصبوا مهام الامن وشلوا اي دور لمؤسسات الدولة. فبسبب ضعف الدولة وعدم قدرتها على الضغط على المصالح المادية لهذه المليشيات، لم تعد هذه المليشيات مجرد جماعة صغيرة بل تحولت إلى دولة داخل الدولة باستقلال كامل للموارد والسلاح والتنظيم مثل داعش في سورياوالعراق او الحوثيين في اليمن. يقول هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ومستشار الأمن القومي في كتابه الجديد المعنون ب"النظام العالمي" تأملات في شخصية الأمم ومسار التاريخ" والذي يعالج فيه معركة البقاء بين الامم "أن الشرق الأوسط يعيش نزاعًا يشبه النزاعات التي واجهتها أوروبا في القرن التاسع عشر من حروب دينية، نتيجة انهيار الدولة وتحويل أراضيها لقاعدة للإرهاب، وتهريب السلاح نتيجة تفكك الدولة الذي سيؤدي إلى تفكك النظام الإقليمي والدولي". وعليه فان الربيع العربي الذي جاء محملا بشعارات الديمقراطية والحرية وكثير من الشعارات البراقة تراجع ليخرج لنا تنظيمات ارهابية تنطلق من منصات إيديولوجية مغلفة بتعاويذ جهادية ومحفزة على القتل والعنف. * محلل سياسي