صلاة العشاء، وتناوله ما تيسر من طعام العشاء، شعر برغبة أن يذهب لدكان عبدالرحمن، والذي يقع ليس بعيدا عن منزلهم، حيث يلتقي مع بعض من زملاء دراسته في المرحلة الابتدائية، الدكان الصغير أشبه ما يكون بناد صغير منه للدكان توجد فيه بعض المواد الغذائية البسيطة والتي من أهمها المعلبات التي قد يحتاجها كل بيت في الحارة.؟! وسيدة الدكان الشامخة التي تحتل مكانا بارزا فيه (الثلاجة) وهي أخذت هذا الاسم بالقوة، فهي عبارة عن صندوق خشبي تمت كسوته من الداخل بألواح الصفيح.. ووضعت بداخله زجاجات المرطبات الشهيرة في ذلك الوقت.. البيبسي، والكوكاكولا، والسينالكو، إضافة إلى بعض علب العصير والتي من أهمها عصير الطماطم، والبرتقال وعلب الأناناس والخوخ، وفي زاوية منه استكانت بطيخه حساوية فريدونية تكاد تختنق من زحمة الزجاجات والمعلبات اللاتي احاطت بها وجعلتها في معاناة، لكنها انتقمت من ذلك بعبيرها البطيخي المميز والذي تبثه من بطنها الوردي الممزوج بلون برتقالي خفيف داخل الثلاجة؟!.. ولقد تناثرت فوق الزجاجات والمعلبات قطع الثلج المختلفة، وتمت تغطيتها بقطع من الخيش، وكلما فتح عبدالرحمن ثلاجته الخشبية التي الصق على جدرانها لوحات مرسومة لحسناوات يشربن المرطبات ليناول أحدهم زجاجة بارد او ليبيع قطعة ثلج اندفعت رائحة البطيخة لتداعب أنوف الجالسين حول طاولة (الكيرم) من فتية الحي هواة هذه اللعبة التي تحظى بعشقهم واهتمامهم، فمن أجلها يترددون على الدكان وبعضهم يأتي من أقصى المدينة ليحظى بالمشاركة في دورية اللعب الأسبوعية، ويقضون سهرتهم الليلية، ولا يترددون من المغامرة بلعبة (طاش ما طاش) وبتشجيع من عبدالرحمن الذي يتيح لهم الفرصة باللعب والمشاركة حتى ولو لم يكن لدي الواحد منهم المال أو قيمة المشاركة، فالبركة في دفتر الدكان، حيث يسجل فيه ما يتناولونه من مرطبات. أو عصير.. وعلى إيقاع ارتطام القوس في جدران (الكيرم) وأصوات صراخ التشجيع الحماسية خصوصا عندما يضرب احد اللاعبين حجر (القوس)، ليتجه بقوة وانطلاقة لارحمة فيها إلى قلب الحجر، أكان أسودا أم أبيضا، لتكون نهايته داخل أحدى الفتحات الأربع في طاولة اللعب، على إيقاع ذلك كانت تدور أحاديث وتعليقات وحتى آخر الأخبار التي تدور داخل المدينة من بيت لبيت.! عندما دخل إلى الدكان وألقى التحية على الجميع، ووجد له مكانا بجوار زميله، بل صديقه فهد، وراح عبدالرحمن يشيعه بنظراته وقد ارتسمت على وجهه أمارات السعادة، فها هو زبون جديد يدخل الدكان.. وهذا يعني أنه سوف يكسب مالا من حضوره، وكان عبدالرحمن يعرف من تجاربه أن هذا الزبون أفضل من غيره فدائما يحمل معه نقودا.. ولم يسبق أنه اشترى أو لعب بالدين.؟! شعر بأن صاحبه فهد يبدو في عينيه شيئا من الحزن وحتى الضيق وهو يقلب صفحات مجلة سندباد، عندما قال له هامسا خير.. عسى ما خسرت في اللعب؟ فرد وهو يشير إلى زميلهما سعد والذي كان على رأس اللعب، لقد ضحك علي كنت أول ما طلبت زجاجة بارد ولحظة ما فتحتها قال لي نفسي في (جغم)، وما أقدر اشتري بارد الليله! واستحيت منه وعطيته (الزجاجة)، وإذا به يشربها دفعة واحدة وفي نفس واحد! وعندما عاتبته وذكرته بأنه طلب شرب (جغم) فقط، رد ضاحكا: نعم، بس (الجغم) اللي نفسي فيه كان تحت.!