كشف الرئيس الأمريكي باراك أوباما الخميس النقاب عن استراتيجية عسكرية جديدة تتضمّن تقليص عدد قوات الجيش بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق وخفض عددها في أفغانستان. وقال أوباما في كلمة ألقاها من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون): "إذا نظرنا إلى ما بعد الحربين في العراق وأفغانستان - ونهاية مرحلة طويلة من تقوية أمننا وتضامننا الوطني بعمليات انتشار عسكري خارجي كبيرة - نجد أننا سنكون قادرين على ضمان أمننا بعدد أقل من القوات البرية التقليدية". وجاء الظهور الرئاسي غير المعتاد في مقر وزارة الدفاع مع إصدار البنتاجون مراجعة استراتيجية ترسم الخطوط الاسترشادية العريضة للجيش الأمريكي وسط ضغوط سياسية يواجهها البيت الأبيض لتقليص العجز الهائل في موازنة الولاياتالمتحدة. وقال الرئيس الأمريكي: "سنواصل القضاء على أنظمة الحرب الباردة التي عفى عليها الزمن، كي يتسنى لنا الاستثمار في القدرات التي نحتاجها في المستقبل، بما في ذلك الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع ومكافحة الإرهاب ومواجهة أسلحة الدمار الشامل، إلى جانب القدرة على العمل في البيئات التي يحاول فيها الأعداء منعنا من العمل فيها". يتواكب إصدار الاستراتيجية الجديدة - صيغت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فحسب - مع المناورات الحربية التي تجريها إيران في الخليج وانتقال القيادة في كوريا الشمالية. وقال اوباما محذّرًا "نعم جيشنا سيصبح اقل عددًا لكن على العالم كله ان يعلم ان الولاياتالمتحدة ستحافظ على تفوّقها العسكري مع قوات مسلحة ماهرة، مرنة، وعلى استعداد للرد في جميع الظروف والتهديدات".وكان البيت الأبيض والبنتاجون قد اتفقا الصيف الماضي على استقطاع نحو 450 مليار دولار من ميزانية المؤسسة العسكرية. وتسعى واشنطن أيضًا إلى تأمين حرية حركة التجارة عبر المياه الدولية، في مواجهة الصين التي تزداد قوة وأي محاولات من بكين لمنع دخول الولاياتالمتحدة إلى بحر جنوب الصين.وقال أوباما: "سنعزز وجودنا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولن تكون استقطاعات الميزانية على حساب هذه المنطقة المهمة". ويرى كثير من الخبراء ووسائل الإعلام في تركيز الجيش الجديد على خفض قواته تحوُّلًا عن استراتيجيته التي عاش بها طويلًا والمتمثلة في التمكّن من خوض حربين كبريين منفصلتين في أي مكان في العالم في نفس الوقت. وقال وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا في الإيجاز الصحفي ذاته إن الولاياتالمتحدة يجب أن تكون قادرة على "مواجهة ودحر" أي معتدٍ، والقتال على جبهات متعددة في وقت واحد.وأضاف إن الاهتمام سينصرف عن القوات البرية ولن تكون هناك حاجة إلى قيام قوات المشاة بعمليات انتشار في مواقع أجنبية لفترات طويلة بعد ذلك، كما كان الحال في حربي العراق وأفغانستان. وأوضح أن القوات ستكون بحجم أقل لكنها ستكون أسرع وأكثر مرونة ومزوّدة بتقنيات أفضل وسوف توجّه الاستثمارات إلى الفضاء المعلوماتي الإلكتروني والطائرات التي تطير دون طيارين.وقال النقاد في واشنطن إن خطة البنتاجون معيبة.وقال باك ماكيون رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب لمؤسسة "امريكان إنتربرايز إنستيتيوت" البحثية الخميس، إنه من الواضح أن أوباما "يكرّر أخطاء الماضي بالاحتفاظ بقوة أقل بكثير من تلك اللازمة لمواجهة التهديدات التي تتبدّى أمامنا". "ببساطة القرار تعيدنا إلى ما قبل التاسع من سبتمبر (2001).. هذا يعني أنه في المرة القادمة عندما نخوض عملية برية ضخمة لن تكون لدينا القوات التي نحتاجها.. كما كان الحال في العراق وافغانستان". ووقع أوباما السبت الماضي على قرار بتخصيص 662 مليار دولار لموازنة الدفاع هذا العام. ويتواكب إصدار الاستراتيجية الجديدة - صيغت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فحسب - مع المناورات الحربية التي تجريها إيران في الخليج وانتقال القيادة في كوريا الشمالية.وقال بانيتا إن الولاياتالمتحدة تواجه عددًا من التهديدات مثل السلوك المزعزع للاستقرار" من جانب إيران وكوريا الشمالية، اللتين أثارتا ببرامجهما النووية انزعاجًا في كثير من دول العالم. وقال إن الولاياتالمتحدة تواجه "نهوض قوى جديدة في آسيا"- من الواضح أنه يعني الصين - التي لم يذكر اسمها. وأضاف بانيتا إن واشنطن سوف تحوّل تركيزها إلى "استعراض القوة" و"الردع" في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكذا الحفاظ على قدراتها ووجودها في الشرق الأوسط. وفي بروكسل قال أندرس فوج راسموسين الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) إنه يتوقع أن تواصل الولاياتالمتحدة تعزيز الأمن الأوروبي رغم التقليص الذي أعلن. "أقدر التزام الولاياتالمتحدة الدؤوب تجاه أمن اوروبا.. والحفاظ على قوة وتماسك حلفنا.. وتعزيز دفاعنا المشترك".وسيتم خفض عدد الجيش البري من 565 الفًا حاليًا الى 520 الف جندي عامل بعد 2014 وربما حتى يخفض العدد الى 500 الف، وفقًا لمراقبين، في حين سيتم خفض عدد مشاة البحرية البالغ 202 الف حاليًا بنحو 15 الى 20 الفًا.وتنص الخطة التي جاءت في ثماني صفحات على اعلاء مكانة الولاياتالمتحدة في اوروبا وعلى ترسانة نووية "اصغر". ورغم ان وزير الدفاع وعد بأن تبقى للولايات المتحدة "القدرة على مواجهة وهزيمة اكثر من خصم في وقت واحد"، فان الاستراتيجية الجديدة تضع حدًّا للعقيدة التي تقضي بأن يتمكَّن الجيش الامريكي من الانتصار في نزاعَين كبيرين في وقت واحد، حيث لم تعد تنص سوى على منع خصم ثان من "تحقيق اهدافه".