معضلة الغلو والتطرف في التكفير والقتال مشكلة عانت منها المجتمعات الإسلامية في التاريخ والواقع المعاصر فدائماً ما تكون محصلة تصاعد فكر الغلاة إنهاك بنية المجتمعات وتدمير مقدراتها وخدمة أعدائها. والتعاطي مع ظاهرة الغلو والتطرف بقصد معالجتها والتصدي لأخطارها يتطلب قدراً كبيراً من التوازن النفسي والمنهج العلمي القائم على العلم الصحيح والعدل في تقييم المواقف والجماعات والشخصيات، وعندما تدفعنا الغيرة على الأوطان والغضب من ظاهرة الغلو وتداعياتها لفقدان اتزاننا وهدوئنا فإن هذا يؤدي لنتيجة عكسية فنفاقم المشكلة بدلاً من معالجتها وننمّي الإشكال بدلاً من حله وتفكيكه. ومن التعاطي الخاطئ مقابلة الغلو في التكفير بتكفير مضاد ومجابهة تشويه الغلاة بتشويه معاكس غير مبني على حقائق وأدلة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن منهجية أهل السنة لا تنطلق من ردة الفعل في قضايا التكفير فلا يجوز أن يكون خطابنا لمن يكفرنا أن نكفره تشفياً وانتقاماً بل يكون مدار أحكام التكفير وفق منهجية علمية رصينة تتخذ من نصوص الوحي منطلقاً محورياً في توصيف وتقييم أفكار المنحرفين بغض النظر عن موقفه تجاه ذواتنا، وقد ذكر النبي عليه السلام أن من سيم الخوارج كثرة العبادة حتى أن الصحابة رضوان الله عليهم يحقرون صلاتهم أمام صلاة هؤلاء الخوارج ومع ذلك فقد ذهب عامة الصحابة رضوان الله عليهم إلى عدم تكفيرهم مع أن الخوارج كفروا الصحابة واستباحوا دماءهم. من إشكاليات معالجة البعض مع خطاب الغلو والتطرف استخدام الخطاب الوعظي في علاج المشكلة عبر تذكير الغلاة بتقوى الله تبارك وتعالى وبالنصوص القرآنية والنبوية التي تحذر من تكفير المسلمين وقتلهم وهذا الخطاب نافع جداً في تحصين المجتمع وعامة الشباب من الغلو والإرهاب المذموم وتوعيتهم بأخطاره وجنايته على دين المسلم ولكنه لا يكون فعالاً ومجدياً إلى حد كبير مع من تورط وتشرب أفكار الغلاة ومنهجيتهم. ذلك أن الغلاة عندما يقعون في تكفير بعض المسلمين واستحلال دمائهم لا يرون أصلاً أنهم وقعوا في تكفير المسلمين ولا استحلال دمائهم بل يظنون أنهم قاموا بعمل صالح مبرور وبأنهم لم يقعوا في تكفير مسلمين فهم يزعمون أن هذه النصوص التي تحذر من الغلو والقتل لا تنطبق على أفكارهم وأفعالهم بل يظنون أنهم يقومون بما يجب عليهم شرعاً في التكفير والجهاد وهم بذلك يصدق فيهم قول الله تعالى (أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسناً). ومن هنا فهذا الخطاب الوعظي في التصدي للغلاة لا يؤتي أهدافه وثماره ومن هنا يكون المنهج الصحيح في الخطاب الموجه لهم هو المناقشة العلمية التفصيلية للأصول الفكرية التي بنوا أفكارهم عليها وتفكيكها عبر خطاب شرعي يجمع بين فقه نصوص الوحي والأصول الفكرية لجماعات الغلو والتطرف وهذا يتطلب بلا شك هامشاً واسعاً من فضاء الحرية لكل من يتصدى لمناقشة أفكار الغلاة.