في سؤال حول قدرة الخطاب الشرعي على مواجهة خطاب التشدد أم عدم قدرته على ذلك، أجاب رئيس «حملة السكينة» الباحث الشرعي عبدالمنعم المشوح أن المؤسسة الرسمية الشرعية من أكثر الجهات التي واجهت أفكار الغلو ، «فمن قبل أحداث 11 سبتمبر بأعوام صدر بيان لهيئة كبار العلماء تحذر فيه من اختطاف الطائرات والاعتداء على المدنيين وتفجير المباني، ثم بعد ذلك توالت الفتاوى والبيانات واللقاءات في مواجهة التطرف والغلو». وضرب مثال بحملة السكينة على يشرف عليها بأن لديها أكثر من 280 بياناً وفتوى وتعليقاً فقط لسماحة المفتي عبدالعزيز آل الشيخ وفقه الله، وفيها رد وتوضيح ونصيحة بأساليب ومناسبات متنوعة، فانظر إلى بقية أعضاء الإفتاء، وإلى بقية العلماء وكبار طلبة العلم الرسميين في الإفتاء ووزارة الشؤون الإسلامية التي نفّذت أكثر من 80 ندوة علمية في مناطق المملكة تناقش قضايا التكفير والجهاد ومسائل النزاع. وأكد أن جميع الشبهات والأفكار المتطرفة التي ذكرها السناني وغيره من الغلاة «تم الرد عليها بتفصيل وإجمال، وبفتاوى ومقالات علمية وبمواد صوتية، فالعلماء وطلبة العلم قاموا بدورهم وواجبهم، لكن أين المتخصصين في الإعلام؟ وأين الجهات الإعلامية في نشر وبثّ هذا الإنتاج العلمي؟» مشيراً إلى أن مواجهة الغلو والإرهاب عملية تكاملية، لا يمكن أن نجعل مسؤوليتها على جهة دون جهة. وأكد أن كتاب «الدرر السنية» والذي يعتمد بالنقل عنه بعض الغلاة عبارة عن مقتطفات وقصاصات من رسائل ومكاتبات وردود أُخِذت من دون ربطها بسياقها التاريخي ومن دون الإشارة إلى ما أحيط بها من دوافع وأحداث ومسببات، فإذا تم ترتيبها وإعادتها إلى أصولها بشكل كامل انكشفت الشبهات التي يتداولها الغلاة، وأي نص في أي فكر تستله من سياقه التاريخي ومسبباته المحيطة به لا يمكن أن تستدل به في واقع مُغاير. واعتبر أن «بعض الرسائل أُلّفت في زمن جهاد حقيقي واعتداء على الدولة السعودية الأولى والثانية وفي حال حرب، فالغلاة يأخذون هذا الكلام ويطبقونه على واقعنا الآن وهذا من جهلهم، ومع ذلك نجد أئمة الدعوة ينصون في شكل واضح وصريح على ضبط التكفير والنهي عن الغلو في أبواب الولاء والبراء والجهاد وغيرها من مسائل النزاع، حتى إن الإمام محمد بن عبدالوهاب وصفه تلاميذه بقولهم إنه من أعظم الناس تَوَقُّفًا وإحجامًا عن إطلاق الكفر». وحول نقض خطاب التشدد من ذات الخطاب أم ضرورة مراجعة المنابع العلمية التي ينطلق منها خطاب التشدد كآراء ابن تيمية والمدرسة السلفية، قال المشوح: «نحن أمام فكر تلفيقي تجميعي لا ينتمي علمياً إلى مدرسة أو تيار أو مذهب محدد له أصوله وقواعده». واعتبر أن الخطاب المتطرف موجود الآن، لكنه ينطلق من أصول وقواعد تختلف عن مكوّنات الأصول السلفية التي أسسها شيخ الإسلام ابن تيمية في مدرسته وصولاً إلى علماء العصر الحديث. واستشهد بابن تيمية حين قال: «الخوارج هم أول من كفر المسلمين، يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع، يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها، وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة ويطيعون الله ورسوله فيتبعون الحق ويرحمون الخلق»، أما الشيخ محمد بن عبدالوهاب فيقول: «أما القول إنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم». وأضاف: «حتى في مسألة الجهاد والقتال، يقول الإمام محمد بن عبدالوهاب: (وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة). وهكذا توالت مواقف العلماء في المدرسة السلفية نافية الغلو في التكفير والاعتداء على الآخرين، متشوّفة للرحمة والمحبة واحتواء الآخرين، والحقائق التاريخية تُثبت أن المدرسة السلفية الصافية أقل المدارس تكفيراً وأكثر المدارس حقناً للدماء وحفظاً لاجتماع الكلمة وصيانة الأوطان».