كثيرا وغالبا ما انتظرنا في الصغر ان تحج البقرة على قرونها، وكم اختزلنا هذا التحدي داخلنا وربطناه بأمان كثيرة، تخيلنا أنها يمكن ان تصير، حتى تركيبة عبارة هذا التحدي هي تركيبة غريبة، بقرة، وقرون، وحج كيف صارت هذه التوليفة العجيبة بين ثلاثي غير منطقي، ووجه المستحيل فيها، كيف يمكن أن نتخيل تلك البقرة المسكينة اللاهثة تحج وعلى ماذا؟ على قرونها!! كان خيالا واسعا شاسعا لا أبعاد واقعية فيه أبدا، فكانت أقرب للطرفة والتندر، مع ذلك استمتعنا بتلك العبارة للتحدي، والتعجيز، والاستحالة، وأحيانا للسخرية من طلبٍ ما. حين تنطلق حالة وطاقة التعجيز تجد أحدنا في الصغر، أو حتى من ارتبط بأجواء الزمن الجميل تجده يطلق هذه العبارة الماركة التي تعني مستحيلا، وتخبر عن تعجيز بان يحصل أمر ما، كم من الأحداث ستحصل، وكم من الأمنيات ستتحقق، وكم من الأحلام ستصدق فتكون واقعا، وكم من الوعود ستنفذ، وكم من الطلبات ستنجز، وكم من الآهات ستسقط، وكم من الحاجات ستسد، وكم من تحد سيكسب صاحبه، وكم من الآمال ستحصد، وتخيلوا كم من الناس في خياله الخصب ينتظر تلك البقرة المجهولة تجهّز قرونها للحج لكي تتحقق آماله، وآمال الكثيرين الذين ينتظرونها، سنضحك كثيرا، والآخر سيبكي كثيرا، لكنني متأكد تماما ان هناك من تمنى ان يحصل ذلك لكي يكسب تحديه، ويحقق مطلبه، وكم منّا قال: اووه لا تصعّب المسألة حين أطلقت صرخة التحدي تلك، وكما فرقت تلك العبارة من علاقات قريبة، وكم كانت آثار تلك المقولة كالصاعقة على البعض حين استوعبها واستوعب مناسبة قولها فعرف أنه يسمع المستحيل. كان الطفل ببراءته يسأل صاحبه آليا يردد تلك العبارة: وهل البقرة تحج مثلنا، كان هذا قدر سؤاله، ومبلغ فهمه، وكان المتحدي المتذاكي يجيب: يمكن تحج في يوم من الأيام، فيرد صاحبه الأول: وكيف يمكن أن تحج على قرون؟ فيرد المتحدي: " غير الموضوع وقم نلعب وخل عنك" فيبقى السؤال حائرا، متعلقا في ذهن ذلك الطفل وهو يلعب، فينسى وحين يشاهد بقرة ما يستدعي موضوع "القرون"، والحج، والأمنيات. عجبا كيف لأمنياتنا أن تتعلق بحج بهيمة من الأنعام "لا وعلى قرونها بعد" وكيف كان التحدي في السابق مرا، مزعجا، صعبا، عنيفا، لدرجة أن بعضنا سجّل موقفا سلبيا من البقر كله، بل وزاد الأمر إلى أن امتنع وأضربَ عن الحليب، واللبن لأجل أن البقرة لم تحج وخذلته. البقر تشابه على الجميع وعلاقته بأمنياتنا امتداد لعلاقته ببيوتنا قديما، فكان شكل الأمنية يتشكل من ألوان تلك الصفراء التي تمدنا بفضل الله من خيرها، البقر قيمة في التاريخ الطفولي، ولزمة طفولية جميلة استمرت معنا ونحن كبار فكانت إحدى مفردات عباراتنا، وأحاديثنا المختلفة، خصوصا حين يشتد التحدي، أو التعقيد، أو التنكيد، أو التصعيب، أو المناكفة، ختام القول: دعونا نحقق أمنياتنا بنفحات من الطفولة، ونعيش أجواء البراءة، ونستدعي ملامح الجمال في آمالنا، لنتذكر، ونتفكر، ونبتسم، ولتكن علاقاتنا مع البقرات علاقة مودة، فأمنياتنا معقودة بحجها على قرونها وانتظروا. *مستشار إعلامي