دائماً ما يجول في أسماعنا، المثل الدارج في غالب المجتمعات « حج وبيع سُبح»، وهو الواقع الذي ينهجه بعض الحجاج لتغطية مصاريف الحج التي تقصر معهم نظير ما يبذلونه من المال حتى وصولهم بلاد الحرمين، وكانت أشهر تدفق الحجيج إلى بلاد الحرمين تُحدث منافع كثيرة قديماً وحديثاً، إذ إن لهذه الشعيرة الدينية خيراً كثيراً لجمع المسلمين من كافة بقاع العالم أجمع، منهم من يقصد أداء الشعيرة ويستفيد قبل الدخول في أيام أداء النسك بأسابيع من خلال تبادل السلع. يقول أحد كبار السن الذين عاشوا بين جيلين العم صالح حسن ل «الحياة»: «كنا نعتمد على موسم الحج للالتقاء بالحجاج من الدول كافة، إذ كانوا يقدمون بحضارات تجارية وسلع جديدة في ذلك الوقت بالنسبة لنا ونكتشف أشياء جديدة نعود بها إلى أهالينا، إذ كان من يعمل بالحج يسمونه في غيابه لرحلة الحج ب «المجاود» وهو من ذهب للحج والعمل والتجارة خلال موسم الحج». ويضيف: «إن التبادل التجاري بين الحجيج في الماضي والأهالي كان السلعة مقابل الخدمة والسكن والطهي لهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم نكن نعرف بعض أنواع الملبوسات الرجالية وكذلك الحلي للزينة إلا من الحجاج، بل وكنا نستضيفهم في منازلنا إذ لا ينسونا من عطائهم، ولم تكن المكافأة مادية فحسب بل عينية أحيانا». بدوره، يشير الحاج من دولة مصر محمود أبو الفتوح إلى أنه «في العقود الماضية كانت أيدينا لا تخلو من الهدايا لإخواننا في السعودية، ومع مضي الوقت أصبح مثل «حج وبيع سُبح» جزءاً من قاصدي الحج لبلاد الحرمين، خصوصاً قبل وبعد قضاء الفريضة بين مكةالمكرمة والمدينة المنورة». في حين أصبح العديد من أصحاب الوعود المستحيلة بذممهم الوفاء بعهودهم نظير سوقهم عبارة الاستحالة «إذا حجت البقرة على قرونها»، وتستخدم هذه الجملة دلالة على استحالة وقوع أمرٍ ما أرّق الكثير من أصحاب الأحلام والطموحات المحطمة انتظار «حج البقرة على قرونها»، إذ لا عجب أن أصبح المستحيل والحلم أقرب إلى الواقع. ويلفت أحد كبار السن محمد الوايلي قائلاً : «ماذا لو حجت البقرة على قرونها هل سيوفون بعهودهم، وأما عن اختيار البقرة عن سواها من الحيوانات ليضرب بها المثل، الكثيرون لا يعلمون بأن البقرة لا تظهر لها في الأصل قرون حتى تحج عليها وإلا حججها أصحاب الأمنيات مازحاً بقوله، وأما ارتباط المثل بها فهو كما يذكر بأنه نتج من مزارعين لم يعرفوا في العقود الماضية أكبر وأفضل من البقرة لما بها من مميزات كانت تدر عليهم النفع بلبنها وسمنها واستخدامها في الحرث، وهو من الأمثلة التي يرددها الكبار لبتر الأمنية عن المتمني». بقي الحج أمنية للمسلمين كافة في أنحاء المعمورة، وحُلماً يتجدد لدى سُكان الحرمين لتسديد ديون عهودهم إن حجت البقرة على قرونها.