ثمة جهات تعبث بأمن واستقرار اليمن، على رأس هذه الجهات إيران التي تدعم حركة التمرد الحوثي، والانفصاليين في الجنوب، وهناك جهات اخرى تعمل على تخريب المبادرات والاتفاقات التي يمكن أن تجنب اليمن الفوضى والحرب الاهلية، ومن هذه الدول قطر وتركيا والاخوان المسلمين. الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يسعى الى زيادة حجم التوافق الوطني على مبادرة وطنية ترضي الجميع وعدم اللجوء الى القوة، بعد اجتماع موسع ضم الحكومة وقادة الاحزاب والبرلمان اليمني ومجلس الشورى وبتنسيق واتصال مع جماعة الحوثي، واتفق الجميع على تشكيل حكومة تكنوقراط بمشاركة موسعة من الحوثيين والجنوبيين، واتفقوا على وضع برنامج زمني لتنفيذ ما تبقى من مهام المرحلة الانتقالية، بما في ذلك صياغة دستور جديد، والاستفتاء على الدستور. على الرغم من ان المبادرة استجابت لمطالب الحوثيين، وكانت مفاجئة وصادمة لهم، فقد لمست الاوساط اليمنية حالة من القلق والارتباك على جماعة التمرد الحوثي، فقد وضعتهم المبادرة امام استحقاق وطني داخلي، بينما استحقاقات ومطالب الحوثيين لها ارتباط بأجندات ايرانية، والتوصل الى تفاهم يبعد اليمن عن الفوضى لا يخدم مصالح الايرانيين في الوقت الحاضر. خطة الدخول الى صنعاء، ومحاصرة مداخلها ومخارجها، كانت خطة لفرض الشروط اولا، وخطة للفوضى ثانيا، ولكن الرئيس هادي، حافظ على هدوئه المعهود في معالجة القضايا الداخلية، عندما أوفد عبدالقادر هلال محافظ العاصمة صنعاء للتفاهم وإنهاء الازمة، واخراج اليمن من فوضى محتملة، غير ان عبدالملك الحوثي والذي يأتمر بأوامر ايرانية حاول الافلات من هذه الاستحقاقات ومن المبادرة اليمنية، عندما هاجم الرئيس هادي واعتبره وحكومته عبارة عن مجموعة من العابثين، مهددا بالتصعيد الاكثر ازعاجا للرئيس اليمني، الذي دعا الجيش للاستعداد وعلى ما يبدو لمعركة فاصلة على ابواب صنعاء. في الوقت الذي يستشعر الحوثيون بقوتهم وحصولهم على الدعم الايراني وحرصهم بالحصول على منفذ بحري وكأنهم دولة داخل الدولة، فان هناك استعدادات امريكية عسكرية قرب اليمن وهناك تحليق للطائرات، غير ان الرئيس هادي يرفض استخدام القوة ضد مواطنيه، وهو متأكد من ان قوى خارجية وداخلية تعبث بالحوثيين، وتحول دون التفاهم معهم. الوضع في صنعاء قلق جدا، وهناك هواجس يمنية باحتمالات حدوث انهيارات امنية، قد تساعد على حدوث الفوضى والصدام الداخلي، وهناك جهات اقليمية تسعى بقوة لجعل اليمن شبيها بالوضع العراقي او الافغاني. مشكلة حركة التمرد الحوثي انها اعتبرت نفسها وكأنها مختلفة عن الكيان الاجتماعي اليمني ومتمايزة عنه، وربطت نفسها باجندات ايرانية واقليمية وداخلية ايضا، حيث انها وإن كانت نتيجة لسياسة ادارة التوازنات الداخلية التي اعتمدها بنجاح الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وعلى الرغم من حروبه الست معها، الا ان هناك مؤشرات على دعم صالح لها لإضعاف حكومة هادي، ولفرض خيارات سياسية جديدة يكون فيها مؤثرا في المسرح السياسي اليمني، وهذا يؤكد ان التمرد الحوثي عرضة للتصرف غير الحكيم ان تقاطعت المصالح السياسية بين القوى الداخلية والخارجية. ماذا بعد اقالة الحكومة اليمنية، وخفض اسعار المشتقات النفطية، هل سينهي الحوثيون محاصرتهم للعاصمة صنعاء، وانهاء مظاهر القوة المسلحة، والتراجع عن نقاط التفتيش التي اقاموها، والقتال المستمر في الجوف، وسحب قواتهم من عمران لتصبح تحت سلطة الحكومة اليمنية، وهل اليمن على ابواب فوضى ام استقرار، كل ذلك يطرح الان في صنعاء وبشيء من الخوف والشك والحذر. الشك والحذر اليمني مبني هذه المرة على معلومات استخباراتية تفيد بأن الايرانيين اعطوا تعليمات للحوثيين بعد الاستجابة لأي مبادرة او توافق وطني يمني، وأن الحوثيين وإن ظهروا كجسم واحد متماسك الا انهم مخترقون من عدة جهات ايضا، وهناك منافسة محتدمة بين رموزهم والكل له اتصالاته بطهران، لدرجة ان بعضهم متشكك بايران وانها قد تغلب جهة على اخرى كما تفعل مع الاحزاب الشيعية في العراق، كما ان المخابرات اليمنية والجيش اليمني عمدوا الى تجفيف مصادر الدعم وبخاصة دعمهم بالسلاح، عبر احكام السيطرة على الموانئ اليمنية، ومصادرتهم شحنات اسلحة ايرانية.. السؤال الذي يطرح نفسه هو ان ايران متخوفة من داعش ايرانية تفرض نفسها على السياسة الايرانية، وهناك مؤشرات على وجود تسهيلات دولية لنقل النموذج الداعشي الى ايران، وان تكتوي طهران بذات النار التي صنعتها، وهل ايران في استماتتها في دعم الحوثيين لمواجهة الحكومة اليمنية، هي ادراك ايراني بتراجع نفوذها في العراق بعد اقصاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، واقصاء قاسم سليماني قائد قوات القدسالايرانية، هل ما يجري في اليمن هو جزء من استراتيجية ايرانية طارئة (استراتيجية البدائل المؤثرة) بعد فقدان او تراجع التأثير في العراق، وهل التعويض في اليمن والذي بدأ فعلا عبر تطور لهجة وحراك الحوثيين، يملك مقومات النجاح والتأثير، وهل حوثيو اليمن فعلا يتجهون لمحاكاة نموذج حزب الله والضاحية والجنوب وقوة السلاح فوق سلاح الشرعية. المطلوب اليوم هو تعزيز شرعية الدولة اليمنية واحتكارها لاستخدام القوة، ودعم كافة عمليات الامن والاستقرار في اليمن عبر تعزيز قدرات الجيش اليمني، والمساهمة وبجهد دولي في محاربة الارهاب ليس ارهاب داعش فقط، بل ارهاب القاعدة والارهاب الحوثي، وجعل الجميع خاضعا لسيطرة الدولة اليمنية، وعدم التجاوز عن شرعيتها، وهو ما دعا اليه مجلس الامن الدولي مؤخرا. المصالحة الخليجية الخليجية كانت نتيجة وإدراكا خليجيا لحدة المخاطر الاقليمية وتداعياتها على الامن الخليجي، ولهذا فان دول الخليج مدعوة لتقف بقوة خلف الحكومة اليمنية، وفي دعم جهودها للحرب على الارهاب وايقاف التدخلات الايرانية، مثلما هي مدعوة ايضا للتكاتف الخليجي والدولي لمحاربة داعش التي تشكل مصدر قلق ليس لدول المنطقة بل للدول الاوروبية والغربية ايضا على حد سواء. موقع شفاف الايراني والذي يتابع نشاطات الحوثيين يؤكد ان حركة التمرد الحوثي تستلهم معايير الثورة الايرانية وشعاراتها ضد امريكا واسرائيل وأن لدى حركة التمرد الحوثي روابط وثيقة واستراتيجية بايران وأن الهدف هو انشاء دولة حوثية ترتبط بايران وتكون ورقة ايرانية مؤثرة في الامن الخليجي. والسؤال الى متى ستبقى دول الخليج صامتة امام التدخلات الايرانية؟، ولماذا لا تفعل هذه الدول أدواتها للتدخل في ايران، خاصة وأن ايرانية دولة صمغية كما تشير الادبيات السياسية البريطانية أي قابلة للتفكك والتجزئة كونها قوميات متنافرة المصالح في ظل النظام السياسي الحالي. باحث ومحلل سياسي