يزفر بشراسة، يطرد ناراً تحرق بيادر الهدوء من روحه، يقرّح المسافات من حنجرته، يشتم: (اللعنة، كيف حصل ذلك؟، كيف؟!). من منزله المتسع، المطرز بألوان الزخارف النادرة، يخرج مترجلاً، حثيثاً، يسابق الريح إلى كراج سيارته الفارهة، يمشي بجسد أشبه بالغوريلا منفرج الساقين، يتحاشى الاصطدام بأطراف أشجار حديقته المملوءة بأصناف الورود النادرة، يتحاشاها لئلا تصيب ملابسه الغالية الثمن، النظيفة اللامعة بشيء من الغبار، الذي ربما تخلف غفلة وراء البستاني الخاص به، يمشي ولم يزل يسكب أنفاسه الحميمية، يفتك بأجواء الصباح الفاخرة، يَدُكُّ الرصيف الرخامي تحت قدميه اللتين، تكادان تخرجان من حذائه الجلدي المصنوع في أرقى مدينة من العالم. يشفط دخان سيجارته التي تتوسل أصابعه الثخينة انعتاقاً، وينفثه كمحرك يعمل على الديزل شارف على التلف، وبصوت أجش عال، طشَّ حروفه في الهواء: (أن أخسر من أرباحي كل يوم، هذا غير معقول، غير معقول!). ولشدة ما أعماه الغضب والقلق، تاهتْ سبابته عن زر المفتاح الإلكتروني الخاص بفتح باب الكراج، لكنه ما لبثَ أن فتحه، ثم اقترب من سيارته، وضرب بكفه فوق سطحها النظيف، وبينما هو يفتح بابها بكل قواه، أردف متأففاً: (وإذا استمر هذا الحال، فلن أسجل اسمي في موسوعة "جينيس" سريعاً). هذا ما رواه البستاني عن مكفوله - ذاك الرجل المترف لرجلٌ آخر عسير، سأله عنه عندما لحظه مخموراً بقلقه وتوتره، بل وسمعه يردد كلمات تحسره الأخيرة، منتفخ الأوداج، بوجه عبوس قمطرير، ثم أردف البستاني قائلاً: (لكن لا تكترث، فإن صاحبنا هذا، كل يوم على هذه الحال المزرية). ضحك ضحكة الإشراق، ذاك الرجل الحافي الذي تلونت يداه بلون برميل القمامة، الفائضة القذرة، الموجودة مقابل الكراج، بينما كان يفتش عن علب المشروبات، وغيرها، التي يمكن أن يؤمن بها لقمة عيشه، وما كادت قدماه العرجاوان، تمخران عباب بحور رزقه، ويضع في فمه كسرة خبز بائتة، جافة، إلا وهمس للبستاني: (أنا مذ زمن طويل، قد سُجِّلَ اسمي في تلك الموسوعة، ولم يزل، لامتلاكي أجمل وأغنى، وأريح وأرضى، ابتسامة في العالم).