ارتبط وجود الصورة على الأرض بوجود الإنسان عليها، وذلك من تاريخ وجوده عليها ساكنًا في الكهوف، إلى أن انتقل إلى عصر التمدّن الاجتماعي في حياته، فيما بعد حياة الكهوف، فقد رسم الإنسان القديم الصورة على جدران الكهوف، وقد جاءت هذه الصورة التي رسمها لتمثل حياته البيئية التي عاشها، فرسم الحيوانات التي عاشت بقربه، وقد استأنس بعضها. ومع تتابع العصور الإنسانية وتمدنها الحضاري والاجتماعي، فقد تطور مع هذا التمدن فن التصوير، على خلاف ما عرفه الإنسان القديم، وذلك من خلال الإبداع فيه: سواء كان رسمًا أو نحتًا. فكل عصر من هذه العصور كان للصورة فيه شأن غير الذي سبقه وخلفه، ويأتي في مقدمة هذه العصور: العصر الأموي، الذي عرف كثيرًا من الجدل والنقد حول قضية (قصر عمرة) المنسوب إلى الوليد بن عبدالملك، لكن الحقيقة هي أن معظم هذه الصور والآثار أشارت بوضوح إلى أن هذا المبنى فيما احتواه إنما يعود إلى العصر الروماني، وقد جاء قصد المستشرقين في نسبة هذا القصر إلى الوليد بقصد الإساءة له ولدولته، ومع الأسف الشديد فقد ذهب بعض من أبناء المسلمين إلى تصديق ما رواه المؤرخون والمستشرقون الغربيون حول نسبة هذا القصر للوليد بن عبدالملك، فالوليد هو الذي بنى المسجد الأموي، وقام بعمارة المسجد النبوي والمسجد الأقصى، وهو الذي وضع المنائر للمساجد، وعهده عهد خير وبركة على المسلمين. وقد سار العصر العباسي على النهج الأموي في تحريم تزيين القصور بالصور الآدمية أو الحيوانية. وقد نُسب إلى الخليفة المعتصم أنه بنى قصرًا زينه برسوم آدمية وحيوانية، ولكن النقاد أخضعوه للنقد الموضوعي والمعني بتدين المعتصم، نافين بذلك صحة هذه الفرية على خليفة مثل المعتصم، ومن هذا يتبين لنا أن العصر العباسي لم تشهد قصور خلفائه صورًا تشخيصية، فهي إن لم تكن من الخليفة فهي من الفنان المسلم، الذي كان يستلهم بفنه الرؤية الإسلامية التي رسمت ووضعت الأطر والأسس الصحيحة لهذا الفن، والتي جعلت الفنان المسلم يبتعد في فنه عن أسلوب المحاكاة في الفن التصويري، الذي افتتن فيه الفنانون من غير المسلمين، فابتعدوا عن الخالق بتصوير المخلوق. مدرسة التصوير السلجوقي: يعود عطاء هذه المدرسة إلى ما قبل الغزو المغولي لبغداد سنة 658ه- 1258م، وفي هذه المدرسة ظهرت الصورة على كتب الطب والأدب، مثل: كليلة ودمنة لابن المقفع وغيرها من الكتب، وعصر هذه المدرسة هو القرن الثالث عشر للميلاد. المدرسة المغولية امتدت عصور هذه المدرسة قرابة ثلاثة قرون، وقد نشطت في هذه المدرسة الرسوم التشخيصية على الكتب والمخطوطات، وعرفت هذه المدرسة العديد من الفنانين الذين حفظت مكتبة تاريخ الفن الإسلامي أسماءهم من خلال موروثهم العظيم وحدود هذه المدرسة جغرافيًا وصلت إلى الهند، بعد إيران وبلاد ما وراء النهر. المدرسة الصفوية: نشأت هذه المدرسة مع قيام الدولة الصفوية في إيران مطلع القرن السادس عشر للميلاد، أيام الشاة إسماعيل الصفوي، وفي هذا العصر عرفت المدرسة الصفوية التصوير التشخيصي لبعض العلماء والحكام، وخاصة منهم الشاه إسماعيل الصفوي، وامتازت الرسوم في هذه المدرسة بالألوان الجميلة، مع شيء من الإبداع، ودخل مع فن التصوير في هذه المدرسة رسم العمائم والألبسة الملونة الجميلة، وقد طال عمر هذه المدرسة قرابة قرنين من الزمن. المدرسة العثمانية: على الرغم من النجاحات التي حققتها المدرسة العثمانية في فن البناء، فعلى الجانب الآخر من فن التصوير فقد كان أبناء هذه المدرسة خليطًا من الإيرانيين والإيطاليين، فقد استقدم السلطان محمد الثاني (1451- 1481م) الرسام الإيطالي (جنتيلي بلليني) الذي كلفه برسم صورة له، وهي المعروضة حاليًا في لندن في المتحف الوطني، ومن الإيرانيين كان الرسام (شاه قوللي) قد حظي بالمكانة العالية في عهد السلطان سليمان القانوني (1520- 1566م)، فرسم صورته كذلك وكانت المدرسة العثمانية قد قلدت المدرسة الإيرانية الصفوية، ولا يغيب عنا نجاح العثمانيين في جذب جميع العلماء والفنانين إلى إسطنبول عاصمة الخلافة، وتميزت هذه المدرسة بجمالية الخط العربي، حتى غدت تركيا موطن الخط العربي ومدرسته الأولى في العالمين العربي والإسلامي.