وقف مؤخراً اللواء كمال الوزير -رئيس هيئة المهندسين في الجيش المصري- على ضفاف ما يأمل أن يكون مجرى ثانياً لقناة السويس، قال وهو يتحدث إلى مجموعة صغيرة من الصحفيين في يوم 19 أغسطس: «ستستفيد كل مصر وكل العالم من هذا المشروع»، كان الجنرال يقف في مكان يقع خارج مدينة الإسماعيلية الواقعة في منتصف مسار القناة الحالية، وكانت الشاحنات التي تحمل التراب تزمجر خلف المكان الذي يقف فيه، بدأ العمل قبل أقل من أسبوع من ذلك الحديث، ولكن لا تزال القناة الجديدة حتى الآن عبارة عن حفرة جافة في الصحراء، وأثناء ذلك تدخل مذيع مصري بالسؤال: «هل هذا يعني مليون وظيفة للشعب المصري؟» فأومأ الجنرال برأسه موافقاً على ذلك، وقال: «نعم، مليون وظيفة للشعب المصري». يتباهى الرئيس عبد الفتاح السيسي -القائد السابق للجيش المصري، الذي أطاح بالحكومة الإسلامية المنتخبة في العام الماضي- بالقناة الجديدة ويصفها بأنها خطوة شجاعة لإعادة الحياة إلى الاقتصاد المصري، الذي تضرر من بالاضطرابات السياسية منذ الثورة التي نشبت في عام 2011 والتي أطاحت بحسني مبارك، تقدر تكاليف حفر هذه القناة بين 4 مليارات و8 مليارات دولار، وهو المشروع الذي يكمل خطة منفصلة لتأسيس مركز تجاري وصناعي على ضفاف القناة الحالية، وفي يوم 17 أغسطس زار إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب الموقع وأعلن عن ارتياحه للمشروع ووصفه بأنه «جهاد في سبيل الله». رؤية السيسي عن ذلك المشروع ليست بسيطة على الإطلاق، فهو يتطلب حفر قناة بطول 35 كيلومتراً تتفرع من القناة الحالية التي يبلغ طولها 193 كيلومتراً، إضافة إلى تعميق أجزاء من قناة السويس الحالية، سيسمح إنشاء قناة ثانية بمرور السفن باتجاهين ويقلل من فترات انتظارها، كانت الخطة الأصلية التي طورتها هيئة قناة السويس تدعو إلى إتمام التوسع في ثلاث سنوات، ولكن السيسي فاجأ الجميع بإعلانه في أوائل شهر أغسطس بإصدار تعليماته أن يتم ذلك في سنة واحدة، وعندما سئل الكابتن محمد إبراهيم، المساعد التنفيذي لهيئة القناة، عن واقعية ذلك الموعد النهائي، قال: «نعم، أنا أعتقد ذلك، إن شاء الله». تقول هيئة قناة السويس: إن المشروع سيرفع الدخل السنوي بأكثر من ضعف الدخله الحالي الذي يبلغ 5،3 مليار دولار ليصبح 13 مليار دولار في السنة، وسيقوي التوسع من مزايا قناة السويس مقارنة بقناة بنما، تقول هيئة القناة: إن الإبحار من شنغهاي إلى شواطئ شرق الولاياتالمتحدة سيستغرق أقل بقليل من 26 يوماً مقارنة ب 28 يوماً من خلال قناة بنما. قالت الحكومة المصرية: إن لديها مصادر متنوعة لتمويل المشروع، منها البنوك المصرية، والأسهم العامة التي يمكن تعويمها في سوق الأسهم، وإصدار «شهادات قناة السويس» التي ستسمح للمصريين العاديين بالاستثمار في القناة بمقادير قليلة يمكن أن تصل إلى 10 جنيهات (أي حوالي 1،4 دولار أمريكي)، يقول عمرو العادلي، المتخصص في الاقتصاد السياسي في القاهرة والباحث غير المقيم في مركز كارنيجي الشرق الأوسط: «هذا الأمر ليس واضحاً إلى حد كبير، إذا قام الجيش بتمويل المشروع مباشرة، فعلى أي نحو سيتم ذلك؟ لا أحد يعرف شيئاً عن ذلك، نحن لدينا أسئلة فقط، ولا توجد لدينا إجابات على هذه الأسئلة». ولكن الأمر الواضح هو أن القناة -وهي الأخيرة في سلسلة من المشاريع الضخمة- التي ستعزز من الدور المركزي للقوات المصرية المسلحة في الاقتصاد المصري، وتقوي من الأعمال والمؤسسات المدنية الأخرى، يقول عدلي: «كل هذا في الأساس سياسي، وكل شيء هدفه الدعاية إلى حد كبير، ولكل ذلك علاقة بتشكيل صورة معينة للسيسي والنظام الجديد، وهذا لا يمنع القول إن المشروع مجدٍ اقتصادياً». يبعث مشروع القناة في النفوس ذكريات الرئيس جمال عبد الناصر، الزعيم الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة بعد انقلاب عام 1952، أمم عبد الناصر قناة السويس في عام 1956، منهياً بذلك قرناً من سيطرة الأوروبيين عليها وهم الذين مولوها وبنوها، حفز استرداد مشاعر الشعب المصري، وقد ازداد ذلك بعد ما آل إليه الاجتياح الفاشل لمصر الذي قامت به كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. تاريخ مصر الحديث مليء بمخططات التطوير التي دعمها الجيش، فناصر بدأ مشروعاً زراعياً فاشلاً سُمي تحرير الإقليم، واشتهر مبارك بمحاولة استصلاح أجزاء واسعة من الصحراء المصري، كان اسم ذلك المشروع (توشكا) وهو الآن مرادف للخطط الاقتصادية لفراعنة مصر القدماء. يقول روبرت سبرينجبورد، وهو خبير بشؤون الحيش المصري: هناك نوع من عدم الواقعية في فكرة المشروع العظيم، وهو ينسجم إلى حد كبير مع الطريقة التي كان يفكر بها الجيش في الاقتصاد في أوائل الخمسينيات». أما كيف ستنسجم القناة مع الاقتصاد الفعلي في مصر، فهذه مسألة أخرى، يقول أحمد جلال، وهو اقتصادي كان يعمل سابقاً لدى البنك الدولي، والذي كان وزيراً للمالية في الحكومة الانتقالية بعد سقوط الحكومة الإسلامية: «يبدو الأمر وكأنه استثمار طيب للمصلحة الوطنية، لعدة أسباب، مشروع قناة السويس هو -أو ينبغي أن يكون- جزء من أجندة تنموية أكبر»، بما في ذلك الإصلاحات المؤسسية في التعليم وقطاع الطاقة. لكن أنجوس بلير، رئيس معهد سيجنيت، وهو مؤسسة فكرية في الجيزة، يشعر بالتشكك: «هل سيؤدي المشروع إلى المنافع من النوع الذي يؤدي مثلاً إلى رفع الإيرادات إلى الضعف، التي يجري الحديث عنها؟ لستُ واثقاً من أن هذا بحد ذاته كاف لتبرير المشروع». يقول سبرينجبورد: «عبد الناصر، والسادات، ومبارك، جميعاً كانت لديهم هذه الخطط، لكن لم تنجح أي خطة منها، لاحظ أن عبد الناصر ليس هو الذي قام بحفر قناة السويس».