يطارد الجوع عشرات النازحين الايزيديين بعد ان فروا من هجمات مسلحي تنظيم دولة البغدادي، ولجأوا الى اقليم كردستان شمال العراق حيث تتواصل معاناتهم وظروفهم القاسية، حتى ان بعضهم يرون ان "الموت قد يكون افضل مما يعيشون". وتمكن هؤلاء الايزيديون وغالبيتهم من الاطفال، من الحصول على حماية قوات الامن الكردية، لكنهم فقدوا في نفس الوقت الاعزاء والمنزل وكل ما يملكون. وبين حشد النازحين، تجلس عليا طفلة الاربع سنوات في احضان امها، وهي تئن من الجوع. وعليا اليوم نازحة تعيش مع شقيقيها وشقيقتها ووالدتها حزيكا وجدتها الى جانب عائلات اخرى، في بناية قيد الانشاء في احدى ضواحي دهوك بشمال العراق. وفر هؤلاء النازحون مع فرش وبعض الامتعة الاخرى، لكن الطعام لا يكفي جميع النازحين هنا، إذ تتوفر وجبة واحدة في اليوم ولا خدمات طبية للمحتاجين. ورغم ذلك، يمكن القول ان عليا وعائلتها اوفر حظا من والدها نويل قاسم مراد، الذي قبض عليه مسلحو تنظيم دولة البغدادي الذي بدأ بشن هجمات شرسة منذ الثالث من اغسطس الحالي على مناطق مختلفة وسيطر على مناطق واسعة بينها سنجار معقل الاقلية الايزيدية". وتقول حزيكا (25 عاما) الأم الشابة التي لم تستطع كبت دموعها وهي تتحدث، "كان افضل لنا، لو متنا في منزلنا". فقد عاش الاطفال مشاهد مرعبة خلال الايام الماضية لدى هروبهم من هجمات المسلحين. وأكدت حزيكا ان "الاطفال شاهدوا الموت واطلاق الرصاص على جبل سنجار". ودفعت هجمات المسلحين المتطرفين عشرات الآلاف من ابناء سنجار الى الهرب نحو جبل سنجار شمال غرب العراق خوفا من الوقوع بأيدي المسلحين. ولكن هذا الجبل الذي اصبح ملاذ طوارئ اصبح بعدها فخا للموت بسبب الجوع والعطش الذي يعاني منه النازحون منذ اكثر من عشرة ايام، وسط حرارة الصيف اللاهبة. لكن العديد من العائلات تمكنت من النزول من الجبل والوصول الى اقليم كردستان. ومع ذلك قالت حزيكا فيما ترتجف شفتاها: "الأمان هو ما حصلنا عليه هنا، لكننا خسرنا كل شيء منازلنا ملابسنا اموالنا مجوهراتنا.. كل شيء". وتابعت: "بفضل الله فقط ما زلنا على قيد الحياة، ولكن لم يقدم لنا احد شيئا هنا". وأكدت الام الشابة "الاطفال يبحثون عن آبائهم، الامور تصبح اكثر صعوبة كل يوم بالنسبة لنا "متسائلة": ماذا سنفعل عندما سيحل الشتاء والبرد؟". ولم يجد عشرات الايزيديين من ظل يقيهم سوى هذه البناية قيد الانشاء المؤلفة من خمسة طوابق، حيث تشغل العائلات الطابقين الاولين منها، لكنها بدون جدران ولا حمامات والممر الوحيد للوصول الى الطابق الأول هو سلم خشبي متهاو. وباتت عيون لاوي، خمس سنوات، احد ابناء حزيكا، متورمة من الرمال والعواصف التي تضرب باستمرار المكان الذي لجأوا اليه. من جانبه، قال سمير درويش مدير مدرسة، وهو من النازحين الذين لجأوا الى هذه البناية: "لقد بكينا حتى جفت دموعنا على الاطفال". وأشار الرجل الى اصابة عدد من الاطفال بالمرض ووصف الامر ب"غير الانساني". وتابع بأسف: ان عددا كبيرا من الاطفال يفترض ان يعودوا الى مدارسهم خلال اقل من اسبوعين، لكن يبدو انه من غير المرجح ان يكون هناك عام دراسي. من جانبها، تتمنى داليا (9 اعوام) التي ترتدي قميص تي شيرت زهري اللون يحمل صورة قطتين، ان ترى رفاقها في المدرسة ولكنها لا تعلم اين هم الآن. وقالت بأسف: "لا اتوقع انني سأذهب الى المدرسة هذا العام، لكني احبها كثيرا". وأدت هجمات الجهاديين في محافظة نينوى ومناطق قريبة من اقليم كردستان الى تشريد ما لا يقل عن 200 الف مدني فقدوا منازلهم. ويبدو ان مصير آلاف النازحين الذين لم يستطيعوا الهرب ما زال مجهولا، فقد تم اختطاف نساء واطفال وقتل رجال على يد الجهاديين. ويعيش عدد كبير من النازحين الآن في مخيمات سيئة التجهيز، واختبأ آخرون تحت الجسور او في المدارس او في مبان ما زالت قيد الانشاء.