تشهد مزارع الأحساء خلال الفترة الحالية حالة استنفار تعد من أهم المراحل في حياة الفلاح السعودي لجني التمر بعد نضجه، أو ما يعرف ب «مرحلة صرام النخيل» التي تعتبر موسماً استثنائياً وعادة اجتماعية قديمة يلتم فيها شمل أفراد الأسر من الآباء والأبناء حول النخلة أثناء القيام بقص المحصول في صورة تعبر عن مدى الترابط الاجتماعي والأسري، فيما تغيرت ملامح الموسم كثيراً عما كان عليه في الماضي، خاصة بعد عزوف الكثير من الشباب عن العمل بمهنة الزراعة بالإضافة إلى دخول العمالة الأجنبية «الوافدة» بشكل كبير وسيطرتها على المهنة. صرام النخيل «اليوم» تجولت في مزارع الأحساء لرصد استعدادات الفلاحين لمرحلة صرام النخيل خاتمة الموسم الزراعي بعد عام كامل من زراعة التمور التي مرت بمراحل عدة طوال العام، بدأت بالتشويك، ثم التلقيح، ثم التعديل، حتى يتدلى التمر، ويتخلل هذه المراحل خطوات فرعية، أهمها تشذيب الجريد، وتنظيف النخل من الجريد والليف، وتوسيع «الحوابيط»، وهو حوض النخلة أثناء مرحلة السقاية، وتوفير المياه لها. سباق مع الزمن ويؤكد المزارع فهد القاسم أن التمرة تحظى باهتمام طوال العام حتى يأتي اليوم الذي يقرر فيه «الفلاح» البدء بالصرام بمساعدة من أفراد أسرته، موضحا أن الأعوام السابقة أثناء مدة الصرام التي تمتد لأكثر من ثلاثة أيام تعتبر فترة زمنية جميلة على قلوب الكثير من المزارعين باعتبار أن غالبية أفراد الأسرة هم الذين يتقدمون المجموعة التي سوف تعمل على صرام ثمار النخيل، حيث تجدهم في سباق مع الزمن حول الكيفية التي يجب أن يستعدوا لها وتجهيز جميع المستلزمات الضرورية التي يحتاجها الصرام، لكن الآن حصلت تغيرات أو اندثرت بعض العادات التي تجعل الشخص يشعر بالحسرة بعد سيطرة الفلاحين الأجانب والغياب شبه التام للفلاح السعودي. مالك ومزارع ويضيف «القاسم» إن الفلاح ينقسم إلى شقين مزارع مالك ومزارع عامل وأغلب الأحساء مزارعون ملاك، وكانت هناك نسبة كبيرة من المزارعين المهنيين ولكنه جيل وانقضى، والجيل الجديد اعتمد على العلم والتطور والمهن المكتبية، خاصة وانه إذا عمل في هذا المجال لن يحصل على المبلغ الذي يرغب به لضعفه مقارنة بالأعمال الأخرى، بالإضافة إلى تواجد العمالة الأجنبية بكثرة وبأسعار رمزية، فالعامل السعودي يستلم 5 آلاف ريال أما الأجنبي فيستلم ألفي ريال، وإنتاج المزرعة لا يوفي لأجور العمالة، ويشير الى الحاجة إلى معاهد زراعية تخرج موظفين زراعيين بحيث كل محافظة تهتم بالزراعة أو المجال الذي تتميز به، فالشرقية التمور والشمال الزيتون والزراعات المختلفة وغيرها من الأمور. قص العذوق ويشير صاحب إحدى مزارع الشقيق، عبدالله الخليفة، الى أن الفلاح يبدأ عمله بعد صلاة الفجر وينتهي في وقت صلاة الظهر، ويستطيع العامل الواحد جني 3 نخلات أي «من» واحد مع تنظيفه وترتيبه، وليس كل شخص يستطيع صعود النخلة وقص العذوق أو ما يعرف ب «القاصوص»، فهي تحتاج إلى شاب لأن كبير السن لا يستطيع القيام بذلك كما لابد ان تكون له إمكانات جسمانية تتمثل في قوة الذراعين وخفة الوزن ولذلك فأجرته أكثر من غيره، كما أنه لا بد ان يملك الجرأة فعندما تكون النخلة طويلة جداً والكرب فيها بالٍ وضعيف لا يصعدها إلاّ المتمكن. فرش بلاستك ويضيف «الخليفة» إنه على من سيصعد النخلة التأكد من جاهزية أدواته وأهمها الكر «القطعة التي يستطيع الفلاح بها صعود النخلة»، فيتأكد من الحبل أنه سليم وكذلك السير واليد وبشكل عام تكون صناعته حديثة، وبدون ذلك فإنه سيكون عرضة للسقوط، كما يجب ان يكون «المحش» مؤشرا أي حاداً، وقبل أن يصعد الفلاح يتم وضع فرش من البلاستيك في الأرض المحيطة بالنخلة وبعد ان يصعد مستخدماً «الكر»، يقوم بحمل العذق ويقوم بقصه بالمحش ثم يرميه من أعلى إلى الفرشة وعليه أن يكون دقيقاً فلا يرميه خارج الفرشة فيصيب من هم في الأسفل، كما تسقط كميات من التمر إلى الأرض، وأحياناً عندما يكون التمر لا يزال رطباً نستخدم طريقة «التحدير» وهي عدم رمي العذق من الأعلى، وإنما يربط العذق بالحبل وينزل بالتدريج لكي لا ينهرس التمر. تنظيف التمر وبعد أن ينتهي من صعود النخلة وقص العذوق تبدأ مجموعة في الأسفل تنظيف التمر من القموع والشماريخ والشيص «التمر الذي لم يكتمل نضجه» والتمرة المخزمة «المجوفة من الداخل» والتمرة المغفرة «مريضة ويكون عليها مثل الصبغ» والبسر والرطب والأوساخ التي سقطت مع العذق مثل الشماريخ وغيرها، وبعد الانتهاء من ذلك يتم وضع التمر في المراحل، وهنا يفرق في التعامل بين أنواع التمر، فعلى سبيل المثال يوضع تمر الخلاص بطريقة دقيقة ولذلك يتم تنزيله من النخلة بطريقة التحدير بسبب ارتفاع سعره، والبعض عند الشراء يدقق بشكل كبير ثم يختار، لذا يكون سعر التمر النظيف وغير المهروس أغلى، فيما يختلف التعامل مع التمور الأخرى مثل الرزيز والشيشي وغيرهما، وبعد ذلك يتم نقله إلى السوق. إشهار وتسويق ويشير أحمد سعد العقيل، صاحب إحدى مزارع الأحساء، الى أن مصلحة الزكاة تأخذ نسبتها في وقت الرطب وهو وقت الخرص الشرعي، مؤكدا ان مدينة الملك عبدالله للتمور هي حديثة وستنطلق في السادس من شوال وستدعم الفلاحين بشكل خاص، أما مهرجان «للتمور وطن» فسيدعم التجار والمزارعين بإشهار وتسويق تمور الأحساء وتعريفها للزائرين من كافة أنحاء الخليج الذين يحرصون على شراء كميات كبيرة من التمور، وستنقل مدينة الملك عبدالله للتمور تمور المملكة بشكل عام نقلة نوعية وخاصة تمور الأحساء لأنها قريبة منها فهي مدينة عالمية وسترفع من مستوى المنتج، أما الأسعار فهي «بيد الله» ولكن المهم يصدر لكل دول العالم فالمنتج يجب تأهيله للتصدير والانتشار ثم بعد ذلك سترتفع الأسعار. مناطق معينة من جهته يكشف شيخ التمور في الأحساء، عبدالحميد الحليبي، عن وجود زبائن يطلبون فلاحين معينين في مناطق معينة لتميز تمورها كالشقيق أو خط قطر والمطيرفي والبطالية وغيرها من المناطق التي يرغب المشتري منها، ويوجد في السعودية نحو ألفي صنف من التمور، إلا أن معظمها لا يرقى لأن تكون من الأصناف التجارية ذات المواصفات المرغوبة للعملاء، خاصة فيما يتعلق بالإنتاجية ونوعية التمور. تسهيل التصدير ونظرا لأن النخلة من الأشجار التي تعمر طويلا، فقد يصل عمرها إلى 150 عاما، وزراعة الأصناف التي لا تتميز بمواصفات ممتازة تعتبر خسارة في الجهد والوقت والربحية على المزارع والتاجر، وهناك عدد كبير من المقبلين على شراء التمور من المزارعين من أوروبا وشرق آسيا وكذلك دول الخليج، وقد ساهم تسهيل التصدير في انتشار تمور المملكة حول العالم، ولكننا بحاجة إلى توحيد مكاتب التصدير وشهادات المنشأ والصلاحية في معاملة واحدة، ونتمنى أن تكون إلكترونية مثل باقي المعاملات كي تحل هذه المشكلة التي قد تعيق التصدير وتؤخر الإجراءات. أسعار منخفضة ويؤكد الحليبي أن تمور الإمارات أثرت في السنوات الماضية لأنها مدعومة وتأتي بأسعار منخفضة وبذلك تؤثر على تمور الأحساء خاصة لأنها قريبة ولكن هذه السنة لم ألاحظ تواجدها، كما أن قلة العمالة أثرت في إنتاج وتصنيع التمور بعد الإجراءات الجديدة، ولذلك يجب على الشباب أن يتحركوا والاستفادة من قلة العمالة بأن يقوموا بهذه الأعمال المربحة، ولكن يجب إرشادهم من الجهات المختصة والاتجاه للأعمال الحرة، فالمزارعون الذين يتم جلبهم يكونون متمرسين وأصحاب خبرة، مما يجعل العمل أكثر إنتاجاً في ظل المعرفة التامة في عملية الصرام، مشيراً إلى أن السنوات الأخيرة بدأ الاعتماد بعد الصرام على «كراتين» لجمع ما يتم صرامه وتجهيزه للبيع بدلاً من الزبيل الكبير الذي كان يعتمد عليه سابقاً، وفي الآونة الأخيرة بدأ المزارعون لا يعتمدون عليه كثيراً وأصبح الاتجاه صوب تلك الكراتين. أربعة أشهر ويلخص الفلاحون ذلك كله بعبارات معروفة لديهم في أحوال النخلة فيقولون: أربعة نظيح، وأربعة جريح، وأربعة تستريح ويفسرونها كالتالي الأربعة الأولى يراد منها أربعة أشهر تكون النخلة منتجة للرطب والتمر، والأربعة الثانية وفيها تنظف النخلة من الكرب القديم والسعف اليابس والأربعة الأخيرة تكون فيها النخلة مستريحة فتبدأ عملية التجنيم. فلاح اثناء جني ثمار الرطب شيخ التمور يتحدث الى المحرر عامل يؤدي عمله في احدى المزارع