أن يبطش العدو الكافر ويقتل، بل ويبيد حتى الأطفال؛ الكائنات الأكثر رقة وبراءة في هذا الكون، فليس بغريب! وأن يصمت العالم الذي لا يكف يتشدق بحقوق الإنسان، ثم هو يكشف لنا في كل مرة أن الإنسان الذي يعنيه أمره هو الأوروبي ذو الدماء الزرقاء، فليس أيضاً بغريب! وأن يشرق متصهين منافق، تؤذيه صواريخ المجاهدين في غزة قبل أن تؤذي اليهود، فيشارك قلمُه المنتن القبةَ الحديدية في الدفاع عن اليهود، فأيضاً ليس بغريب! الغريب والمؤلم، أن يفقد المسلم المحب لدينه وأمته الإحساسَ بإخوانه هناك! وكأن هذا القصف الذي يطال إخواننا، وما ينتجه من صور ومشاهد تذيب القلوب، ينزل على رؤوس أناس لا يمتون لنا بصلة! صمت مطبق تجاه ما يحدث، في مجالسنا، وعلى منابرنا، وفي قنواتنا، ووسائل إعلامنا! لا نزال منهمكين في حياتنا، ومُتَعِنَا، حتى ما أصدرناه من احتجاج واستنكار جاء بارداً ببرود قلوبنا التي لم تعد تشعر بشيء! كم هو مؤلم أن تمر على مئات المعرفات في تويتر وفي غيره، ثم لا تجد فيها إلا اهتمامات بسيطة وساذجة! الكثير لا تزال اهتماماته الخاصة والشخصية رياضية كانت أو فكرية أو تجارية أهم بكثير من الدماء الزاكية والطاهرة في غزة! كم هو مؤلم، أن يتحرك شرفاء العالم، من أطباء وصحفيين، وسياسيين، وناشطين؛ لأن يقدموا شيئاً، فيبكوا أكثر من بكائنا، ويضحوا أكثر من تضحيتنا، ويبذلوا من الأموال أكثر من بذلنا، وكأن الناس ناسهم والقضية قضيتهم، ثم نحن نكتفي بالمشاهدة! والأكثر ألماً أن ننطق ولكن بلومهم، نغلف ذلك بمنطق بارد؛ إنهم يخوضون حرباً ليسوا مؤهلين لخوضها، وحقيقة أمرنا ولسان حالنا: ليس من حقكم أن تنغصوا علينا عيشنا ومتعتنا بمناظر القتل المقززة! المسلمون جسدٌ واحد، كما وصفهم نبيهم عليه الصلاة والسلام، وأنا وأنت عضو في هذا الجسد، إذا لم يصل إليك الألم، فأنت عضو ميت! حقيقة الجسد الواحد، إن غابت عنّا فهي لا تغيب عن عدونا، هو يعلم أننا شيء واحد؛ لذلك إن كنا نظن أن من الممكن أن نشبع وبطوننا في غزة جائعة، أو أن نأمن وقلوبنا في غزة خائفة، أو أن نفرح ونفوسنا هناك مكسورة محزونة، أو أن نكتسي وجزء من جسدنا عار في غزة، فنحن واهمون. صمتنا عما يحدث هناك، هو إعطاء السفاح الذريعة الكافية لقتلنا بعد أن يفرغ من إخواننا! سنن الله لا تُحابي أحداً، فإن لم نفعل ما بوسعنا فعله، وصممنا آذاننا عن صراخهم وبكائهم، أنزل الله بنا عقوبته فسلب ما نحن فيه من نعيم، أو سلط علينا هذا العدو الذي لا يرحم. لا أقل من الشعور بمصابهم، والدموع من أجلهم، والكلمات الصادقة في الحديث عنهم، والدعاء والضراعة إلى الله أن ينصرهم، وبذل المال والجهاد به لمشاركتهم جهادهم. إن لم نفعل هذا القليل، فالصواريخ التي أصابتهم، قد أصابت قلوبنا قبلهم، فماتت قبل موت أطفالهم ونسائهم، فهم هناك يحملون موتاهم الأحياء (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) وأجسادنا هنا تحمل قلوبنا الحية الميتة (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) فأينا بالله عليك هم الضحايا الحقيقيون لهذا العدو الكافر؟! وأينا من يستحق الشفقة؟! إلا أننا ضحايا لا تطالنا عدسات التلفزة!