يتحدثون عن مصالحة خليجية قريبة قادمة تجب ما ظهر من خلافات بينية في بعض المواقف بين عدد من دول الخليج أدت إلى سحب سفراء السعودية والبحرين والإمارات من الدوحة في شهر مارس الماضي، ويبدو أن المبشرين بهذه المصالحة بنوا توقعاتهم على التحركات الدبلوماسية والزيارات الأخيرة المكثفة التي قام بها بعض القادة وممثلوهم بين العواصم الخليجية، وبالذات الزيارة الرمضانية التي التقى فيها سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في جدة، فنحن في عموم دول الخليج نعلق على جملة هذه التحركات؛ لحصد ثمارها بالعودة إلى مربع التلاقي والانسجام بين القيادات هنا لمعالجة ذلك التباين، ومواجهة الظروف الراهنة والصعبة التي تمر بها المنطقة، والتي تستلزم التجاوز العملي لكل الخلافات ووحدة الصف وتوحيد الرؤى والمواقف والتي طالما كانت هي السد المنيع أمام العواصف والنوازل التي مرت بها المنطقة وكانت تستهدف كياناتها، وحيث لا خيار الآن سوى العودة إلى التلاقي ونبذ الفرقة والعمل على اعتبار الخلافات الماضية دروساً تمتن المواقف القادمة لمواجهة المستقبل، ولعل من أجمل ما طالعته من القراءات التي تدعو إلى التعجيل في هذا التلاقي هو الدعوة إلى التركيز المباشر على المصلحة الخليجية لشعوب المنطقة ودولها دون التنافس والتباري العلني بالمواقف لصالح غير ذلك، كما اننا في هذا الارتهان المباشر للظروف الحالية يجب أن نلتزم بالمكاشفة والمصارحة الحقيقية دون مواربة أو مزايدة على المواقف باعتبارنا جسدا واحدا يتناغم مع ظروف عموم أمته ومحيطها التي تلازمها الآن مخاطر واسعة وأطماع ومخططات علنية وتحشيد لمواقف الفرقة والاصطفافات الحزبية والطائفية، بل والعمل الإرهابي المسلح الذي يستهدف شعوبنا ويستغل مقدراتنا وأبناءنا لخلط الأوراق وتعميق فجوة الخلاف والريبة بيننا، لقد وعت أجيالنا على نغمة نرددها جميعا «خليجنا واحد»، وربما هذا هو أوان الوحدة وضرورتها بيننا جميعاً لمواجهة ما يدبر لنا وسط تداعيات واسعة وخطيرة، فليس سوى الصمود الجماعي والتعاضد بيننا دولا وشعوبا لنتجاوز هذه المرحلة المخيفة بسلام وأمان، أعود إلى تباين الآراء بين دولنا ولا نخطئ أحدا، بل ليكن هذا الاختلاف دعوة للتكامل وتبادل الأدوار والمواقف بين دولنا، وهو ما نستشف حقيقته فعلاً في نمطية التعاطي السياسي لدولنا إذا ما حاولنا استقراء تلك النمطية عطفاً على متانة الروابط التاريخية بيننا، وحتمية المستقبل المشترك لنا جميعاً، بل هو عين اليقين التي تبث الثقة في نفوس المتابعين المعتدلين من أبناء الخليج، ومن يدركون الشيمة والقيمة في طبيعة مبادئنا المشتركة، وهو ما يفرض علينا كشعوب الالتزام بالاحترام المتبادل بيننا بدلاً من الانسياق خلف الشائعات وبناء الأكاذيب للنيل من بعضنا وتصنيف مواقفنا، نحن هنا وحدة فطرية موروثة لم تصنعها الأنظمة ولا تعيقها الحدود، وهو ما يجب أن نستثمره بوعي واستدراك، لذلك نحن ننتظر التوافق والمصالحة عاجلاً، وندعو كل قادة الخليج للمضي في هذا الجانب والسعي له؛ لنظل ننعم معاً بالخليج ومعنى الاستقرار والأمان في كل دوله.