شهر رمضان هو أفضل الشهور عند الأمة الإسلامية، فيه أنزل القرآن، وفرض الله الصيام على المسلمين، ولهذا الشهر أيضا روحانيات عدة، يعيشها المسلمون بفرح عامر وسعادة لا متناهية، والكل يسعى فيه لكسب الثواب من رب العالمين، وأن يكون من الفائزين الغانمين في الشهر الفضيل، حيث يهتم الجميع بقراءة القرآن الكريم، والصلاة والقيام والذكر والدعاء والاستغفار، وكما هي عادة رمضان في كل عام، فقد مرت أيامه في غفلة من الزمن، ونعيش اليوم في العشر الأواخر منه، وهي أيام لها ثواب عظيم عند رب العالمين، لما لها من فضل كبير وروحانيات خاصة. وحول الحديث عن فضل العشر الأواخر عند الله، وكيف يستثمر المسلم هذا الفضل الكبير، وكيف يغتنم ثوابها شاركنا المشايخ الأفاضل. فأوضح الشيخ رياض الهويمل مدير المكتب التعاوني بالراكة أن العيد هو فرحة للمسلمين كافة، ويجب على كل مسلم أن يستحضر هذه الفرحة في قلبه وذهنه، وأن يتبع ما كان يتبعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وإبداء الفرحة من جانب المسلمين، هو أمر تعبدي، ويقول الله سبحانه وتعالى: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، وإبداء الفرحة بالعيد تظهر على المسلم أثناء المعايدة على أقاربه وأصدقائه وجيرانه، والسؤال عليهم والاطمئنان على أحوالهم، وهذه الزيارات في العيد تقوي صلة الرحم بين الأهل والأقارب، وتقوي أواصر المحبة والقربى بين المعارف والأصدقاء، والعيد يعد أفضل الفرص أمام الإنسان المسلم لتقوية علاقاته بالمحيطين به وإزالة أي سوء تفاهم قد يقع بينه وبين الآخرين، وأضاف الهويمل: يجب أن يعي الإنسان أنه خُلق في هذا الكون ليعبد الله وحده لا شريك له، وهذه العبادة لها شروطها وواجباتها على الإنسان المسلم، وشهر رمضان هو شهر العبادة، وعلى المسلم في هذا الشهر أن يكثف العبادات وأن يغتنم الفرصة كاملة في كسب ثواب من الله عز وجل، وعليه أيضا أن يكثف العبادات في العشر الأواخر من الشهر الكريم، لما لهذه الأيام من فضل كبير على المسلمين، وعبادات رمضان كثيرة، منها كما ذكرنا الصلاة والقيام وقراءة القرآن، والاستغفار والدعاء والاعتكاف وإخراج الزكاة، وصلاة العيد، وعندما يستثمر الانسان المسلم هذه العبادات جميعها، يتذوق حلاوة الإيمان بالله طيلة حياته، ويكون ثواب هذه العبادات ذخرا له بعد مماته، وهذا يثبت لنا أن العبادة هي الأساس في حياة الإنسان المسلم. ومن جانبه، ذكر الشيخ عبد اللطيف المحيش إمام جامع خادم الحرمين في الدمام أن العيد مناسبة مهمة جدا في حياة المسلمين، يجب استغلالها جيدا في كل ما هو إيجابي، فهو يمثل فرحة كبرى للمسلمين كافة، كما أنه فرصة لتقوية أواصر القربى بين الأصدقاء والجيران وصلة الرحم بين الأهل، وقد أقدمنا على تجربة فريدة من نوعها في جامع خادم الحرمين الشريفين، وهي المعايدة على عمال النظافة، حيث جهزنا هدايا يوزعها الأطفال على عمال النظافة، تضم هذه الهدايا أكياسا بها بطاقات شحن للجوال، حتى يتمكن عامل النظافة الاتصال على أهله في هذه المناسبة، كما يحوي الكيس هدية مالية قيمتها خمسون ريالا، بجانب بعض الملابس التي تبرع بها بعض التجار، كما وفرت بعض المطاعم وجبات طعام للعمال، وكان لهذه التجربة أثر جيد في نفوس العمال، الذين استشعروا فرحة العيد، واستشعروا أن هناك أناسا يخططون لإسعادهم، وأنصح بتفعيل هذه البرامج، بإقامة حفلات معايدة للأيتام، تتضمن برامج تثقيفية وترويحية. وعن صوم ستة أيام من شوال يقول المحيش: هي سنة ثابتة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد قال المصطفى (عليه الصلاة والسلام): «من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر»، وليس هناك أيام محددة لصيام ستة أيام من شوال، إذ يحوز للمسلم أن يصوم ستة أيام من أيام الشهر الثلاثين، سواء أيام متفرقة، أو متتابعة، وإذا صام المسلم الأيام الستة في أول الشهر، فهذا أفضل له، وصيام الستة، ليس فرضا على المسلم في كل عام، فيجوز له صومها في أي عام أراده، ولكن الأفضل الاستمرار على صومها في كل عام، ومن عليه قضاء في صيام رمضان، يجب أن يصوم أيام القضاء أولا، قبل أن يشرع في صوم الستة من شوال، لأنها نافلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر»، ويعني هذا أن صوم رمضان فرض، ولا بد أن يسبق صوم النافلة، والشيح عبد العزيز بن باز يرحمه الله قال: «القضاء فرض، وصيام الست تطوع، والفرض أولى بالاهتمام والعناية»، ويجب على كل مسلم أن يحث أهل بيته على صوم الستة أيام من شوال، والمحافظة عليها. وحول زكاة الفطر، ذكر الشيخ محمد المبرزي أن الله فرض زكاة الفطر على كل مسلم أدرك شهر رمضان، صغيرا أو كبيرا، رجلا أم امرأة، عاقلا أم غير عاقل، صام رمضان أم لم يصم، وتشرع زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين، ولا بد أن تخرج قبل صلاة العيد، وتخرج من قوت أهل البلد مثل الأرز أو التمر أو الشعير أو البر، بما يوازي ثلاثة كيلوجرامات، ويشترط أن تخرج بنفس طيبة، ومن مال حلال، ويفضل أن يخرج المسلم زكاة الفطر من قوته اليومي، ومن نفس الأصناف التي يتناولها في طعامه، خاصة إذا عرفنا أن هناك بعض المسلمين يبحث عن السلع الأرخص ويخرجها كزكاة فطر، كما عليه أن يمنحها لمن يستحقها من الفقراء والمحتاجين، وأن يتأكد من أنهم في حاجة إليها، وإذا لم يجد أحدا يستحقها، فعليه أن يخرجها للجمعيات الخيرية التي تتولى توزيع هذه الأموال على مستحقيها. ودعا المبرزي المسلم أن يحرص على استثمار الشهر كله بجميع أيامه ولياليه، ولا يبقى التركيز منصبا على ليلة القدر فقط، وهذا خطأ يقع فيه معظم الناس، ويجب أن يلتفتوا له بتوزيع اهتمامهم في العبادات على أيام الشهر الفضيل، وعدم اختزاله في ليلة القدر، فهي وإن كانت إحدى أهم ليالي شهر رمضان، وهي خير من ألف شهر كما جاء في كتاب الله، لا يعني أن يتجاهل المسلم بقية ليالي الشهر الكريم، كما أدعو المسلم أن يستمتع بعبادة الله سبحانه وتعالى، وأن يستشعر حلاوة الإيمان وحلاوة التعبد. فرحة بلا منكرات يقول د.صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء) نسمع ونقرأ كثيرًا بمناسبة العيدين المباركين؛ عيد الفطر وعيد الأضحى من ينادي بإظهار الفرح في هذين العيدين، ويسمي ما يحصل من بعض الجهال في هذه المناسبة من منكرات لا يقرها الشرع فرحًا مطلوبًا لا يسوغ منعه، ونقول: إن فعل المنكرات لا يجوز في أي وقت ولا يسوغ إقراره؛ لأن إنكار المنكر أمر واجب وتركه مؤذن بعقاب وغضب من الله تبارك وتعالى، وأعني ما قد يحصل في هاتين المناسبتين من جلب المطربين والمطربات وإقامة التمثيليات والمسرحيات مما لا يتناسب بعد شهر الصوم، وكذلك من بعض المشعوذين من ألعاب سحرية ومن التجمهر بين الرجال والنساء والسهر بالليل، وإضاعة الصلوات في وقتها مع الجماعة في المساجد، فإذا قام رجال الحسبة بمحاولة منع هذه الأعمال، فذلك أمر واجب عليهم، وهو من صميم عملهم، ويجب علينا أن نساعدهم ونتعاون معهم لا أن نعترض عليهم ونخذلهم من خلال المقالات الصحفية أو الحديث في المجالس ونصفهم بالتشدد؛ لأنهم منعوا هذا النوع من الفرح الذي يلطخ العيد المبارك ويتنافى مع مقاصده الشرعية. إن الفرح بالعيدين عند المسلمين فرح معه شكر وعبادة لله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله»، وانتهاء شهر رمضان يتبع بالتكبير وصدقة الفطر وصلاة العيد وصوم ستة أيام من شوال مع تناول ما أباح الله من الطعام والشراب وإظهار الفطر بما أباح الله؛ ولذلك كان -صلى الله عليه وسلم- يأكل قبل الخروج لصلاة العيد تمرات وترًا؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه»، إن أعياد المسلمين مربوطة بالعبادات وأعياد غير المسلمين مربوطة بأحداث غير مرغوب فيها من الثورات والثارات والفوضى، ففرق بين أعياد المسلمين وأعياد غيرهم؛ فلذلك أبدلنا الله من أعياد الجاهلية بأعياد شرعية مربوطة بأداء العبادات، ومشتملة على الطاعات، وشكر الله وتعظيمه؛ فالمسلمون في أعيادهم يتمتعون بما أباح الله لهم، ويفرحون بفضل الله ورحمته، ويقرنون ذلك بشكر الله وتعظيمه، ويفرحون بما خصهم الله به من نعمة الإسلام ونزول القرآن، وبما أباح الله لهم من تناول الطيبات وتبادل الزيارات والتحيات والترابط الأسري والترابط الأخوي بين المسلمين عمومًا فهم يفرحون في أعيادهم الفرح المحمود لا الفرح البهيمي المذموم، فكم بين أعياد المسلمين وأعياد غيرهم من الفروق، كما أننا نُهينا عن التشبه بغير المسلمين في أعيادهم وغيرها؛ ليتميز المسلمون عن غيرهم، فالحمد لله على نعمة الإسلام، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.