بالرغم من كم الاطنان الثقيلة من المجاملات التي نتبادلها في حياتنا كأفراد وجماعات ودول، وبالرغم من طرائق التورية والتلطف التي نواجهها في معالجة اختلاف وجهات النظر الا أن لغة الواقع والعقل التي تستند إلى مراجعات أرشيفية لسجل الأحداث تؤكد بقرائن دامغة حقيقة لجوء جهات ما، قد يعلو تمثيلها لتكون دولا نظامية أحيانا، تلجأ في حلول الإزاحة لما يعتقد أنه عامل خطر، إلى أساليب لا أخلاقيه في نصوص الأديان والأعراف الدولية، وقد تصل رغبات التصفية هذه الى درجات خطيرة تبلغ مرحلة التصفية الجسدية وإنهاء الحياة فيما يعرف في سجلات الأمن والاستخبارات بالاغتيالات. ومجرد الولوج في معمعة البحث عن هذا الملف الخطير يمثل ألما نفسيا كبيرا يزداد حدة ومدى بمعرفة ضغائن النفس البشرية التي بدأت مبكرا وبالتحديد في فجر البشرية بين هابيل وقابيل، وما أعلمه من رصيد الحدث في العقود الماضية أن الموساد قد أسهم في عدد من الاغتيالات التي كانت في بعضها من نصيب علماء عرب، مصريين وعراقيين بالتحديد، ولنا تجربة من نوع خاص في عوالم الدواء العالمي والذي قد يمثل ثقلا اقتصاديا لشركات بعينها تصل ميزانيات الدواء فيها الى ارقام تعادل ما يمكن ان يقيم دولا ويخفي أخرى، حيث بحثنا في المؤتمرات العالمية لعلوم طب القلب المتقدمة (ملك الأعضاء 2008-2010-2012) موضوعا يمثل خطرا حقيقيا على إحدى إمبراطوريات الدواء العالمي المصنعة لدواء ارتفاع الكوليسترول، حيث نبدي مع مجموعة من علماء أمريكان قلقا واضحا من ضحالة البحث العلمي للدور الحقيقي للكوليسترول، والذي نعتقد كمجموعة علماء وأطباء ومفكرين أن دوره ضخم لأسباب اقتصادية بحتة على حساب صحة مئات الملايين والمليارات من بني البشر، وهذه الجهود العلمية الحثيثة لم تكن دون ثمن. وفي اتجاه علمي آخر نراقب عن كثب المجهودات الحثيثة لمجموعات علمية غربية في الحرب على غول فتك ويفتك بمئات الملايين من البشر ألا وهو مرض نقص المناعة المكتسبة المعروف باسم الإيدز (AIDS).. وقبل عدة أيام فجعنا بخبر الإسقاط المتعمد لطائرة ماليزية -ولم نكد ننسى الماليزية المختطفة- وما أثار شجوننا جميعا كأوساط علمية مهتمة وجود فريق علمي هام جدا في الحرب على الايدز متمثلا في رأس الحربة واللاعب الأساس في دواء الإيدز الجديد الموعود الدكتور جوب لانج الهولندي البالغ من العمر 59 عاما قضى جزءا كبيرا منها في الحرب على الإيدز وكان في الفترة الأخيرة على وشك التوصل لعلاج ثلاثي للإيدز وكذلك لإحباط خطر انتقال الفيروس المدمر من الأم الحامل الى جنينها.. واللافت في الامر ان الدكتور لانج لم يكن عالما في مجاله فحسب بل انه كان ناشطا اجتماعيا من الطراز الاول لسد ثغرة هامة جدا في علاج الإيدز وهي توصيل الدواء لأكثر الطبقات عوزا وحاجة له، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ان دهاليز المؤتمر العالمي في ملبورن والذي وقف دقيقة حداد على لانج وقف ايضا لعدد من زملائه الباحثين الهامين في الخارطة العالمية في الحرب على الإيدز يتعدى الخمسة، بل ان الإعلامي الكبير جلن توماس الناشط في هذا الاتجاه والذي عمل سابقا كمحرر إعلامي ل BBC وكان متحدثا لمنظمة الصحة الدولية كان هو الآخر احد المقتولين في هذا الحادث الذي يثير في الذاكرة قوائم من الأسماء لحوادث مشابهة يجمعها سيناريو تتجمع حقائقه ولكن بعد فوات الأوان. والأمر في رأيي بحاجة ماسة لحماية على مستوى دولي لعدد قليل جدا من العلماء الذين لن يمثلوا عبئا أمنيا لدولهم بقدر ما سيعطون لأوطانهم، وأعلم شخصيا من زملاء ألمان أن دولهم توفر مثل هذه الحماية وتحد من تحركاتهم بناء على معلومات أمنية من دولهم، والأمر محسوب حسابا دقيقا، فالثروات الحقيقية للدول ليست فقط في مخزون الذهب والنفط، بل إن الثروة الحقيقية التي لا تنضب تكمن في عقول عباقرة الوطن، علم من علم وجهل من أراد لنفسه أن يكون نسيا منسيا.