اشغلتنا الحياة، أو نحن من انشغلنا بها، وبهمومها وآمالها وآلامها، حتى انستنا أو نحن تناسينا تلك المقومات الإنسانية الرائعة، التي هي الحياة بقيمتها ومعناها وطعمها. في مجتمعنا نعرف الكثير الكثير من المشاعر والأحاسيس والجوانب الايجابية، والصفات الحميدة، والتي هي أس وأساس الحياة وجوهرها.. غير أن البعض يتباهى ويباهي بها وفي واقعه لا يجيدها. للأسف.. في بعض الأحيان قد لا ندرك أننا نهمش مشاعرنا، ونتناسى أننا نعطلها حتى عند أقرب الناس إلينا، ومن يعيشون معنا، فما بالك بمن هم حولنا وفي محيطنا، وإلا لماذا علاقاتنا مع ابنائنا وبناتنا تتغير بعد مرحلة طفولتهم؟ هل لأننا نتوقف عن حبهم! بالطبع لا.. ولكن لأننا لا نفسح المجال لمشاعرنا وأحاسيسنا بأن تكون على طبيعتها. هب أنك سألت البعض من الآباء -على وجه الخصوص- متى كانت آخر مرة احتضن أو قبل أو حتى مازح ابنه الشاب أو ابنته الشابة! قد تأتيك الإجابة بردة فعل من يستغرب ذلك التساؤل. كما قلت لكم.. مشاعرنا وأحاسيسنا فياضة، ولكننا تعودنا على كبتها، وعدم ممارستها وتفعيلها مع من نحب.. فكانت الغلظة هي المسلك، والجفاء هو الطبع الذي غلب التطبع، والكثير من تصرفاتنا طبع غير مستنكر، وكأننا لا نعرف أو نعترف بأننا نمارس خللا في واقعنا. بيننا ومعنا من أجبرتهم ظروف الحياة للعمل في بلادنا، ومنهم من قضى سنوات عمره بيننا، غير أن البعض منا لم يترك في نفوسهم ذلك الانطباع الايجابي المؤثر.. ربما يكون ذلك دون قصد، ولكن السبب المؤكد هو تعطيل التعامل مع الآخرين بعيدا عن الشعور والمشاعر.. مع أن كل المشاعر الإنسانية تتملكنا غير أننا لا نعرف كيف نعبر عن ذواتنا، ولا نعرف كيف نروج ونسوق لأنفسنا من خلال التعامل بالمشاعر. لا نجهل دور الابتسامة في العلاقات الإنسانية، وأنها صدقة، وهي البلسم الشافي، والكلمة المعبرة التي لا تفسرها كل الحروف، ونقول دائما إن الكلام اللين يغلب الحق البين، وإن المشاعر والأحاسيس الصادقة هي شفاء النفوس، ونعرف أيضا أن الوئام والصفاء والمودة والحب والسعادة، كل ذلك لا يكون إلا بالاهتمام بالآخرين والتقدير لمشاعرهم.. وكذلك نعرف أن الغلظة والشدة والجفاء ترهق من يمارسها، وتتعب من يواجهها ويتعايش معها، ونتيجتها الحقد والكراهية والنفور والأمراض العضوية والوساوس الشيطانية وتعبر عن مجتمع غير سوي.. إذا.. كيف لنا أن نحفز ونوجه ابناءنا وبناتنا، ونكسبهم ونبقى القدوة لهم، بينما نحن نكبت مشاعرنا عنهم، ولانخبرهم قولا وفعلا بأننا نحبهم. وكيف لنا أن نوثر في الآخرين ممن يعيشون معنا، ونكسب ثقتهم، ونحن لا نقدر مشاعرهم ولا نبتسم في وجوههم، ولا حتى نشكرهم على ما يقدمونه لخدمتنا! الكلمة المعبرة، والابتسامة الصادقة، والنظرة الحانية، تلك مشاعر نملكها، ونحتاج أن نفعلها ونمارسها مع أقرب الناس إلينا، وهي أيضا ما نحتاج أن نسوقه ونتعامل به مع كل من يعيشون معنا، وبذلك نضمن أن ذلك المنتج هو أهم ما يمكن أن يتأثر به الآخرون، ويتصدر كل ما سواه مما نصدر! نحن نعرف أننا نملك كنوزا هائلة من المشاعر.. لكن إن بقينا نجهل كيف نتصرف بها، فلا يمكننا أن نورثها.. لا تكبتوا مشاعركم.. اجعلوها مشاعة للجميع.. فأنتم الرابحون.