ينبغي أن تكون السياسة النقدية أكثر تشدداً، انخفاض التضخم يمكن أن يكون جيداً، لأنه نتيجة لزيادة المنافسة، علِقت الأسواق إلى حد كبير ومبالغ فيه بتأثير القرارات التنظيمية، كما أنها غافلة تماماً عما يحدث في أسس الاقتصاد الكامن، وإذا كان هذا يبدو مثل الحس السليم أو لا، فإنه يعتمد على وجهة النظر الخاصة بك، إذا كنت فوق المعركة، فإنها كذلك، وإذا كنت مشرعاً صاحب مسؤولية عن بلد معين أو كتلة، فإن ذلك يعتبر من قبيل البدعة. الرجل الذي قال الكلمات السابقة بمنتهى الشجاعة والطلاقة بعد وقت قصير جداً من قيام البنك المركزي الأوروبي بالاستسلام لضغوط السوق وخفض سعر الإقراض الرئيسي إلى مستوى انخفاض- قياسي 0،15%، هذا الرجل هو جيم كاروانا، المدير العام لبنك التسويات الدولية، صحيح أنه قال أشياء مماثلة قبل عام، ولكن ربما حان الوقت أخيراً ليستمع الناس له. عندما قدم كاروانا التقرير السنوي لبنك التسويات الدولية، الذي يعتبر البنك المركزي للبنوك المركزية، أشار إلى أن العالم يحتاج إلى جعل الانتقال إلى «نموذج يكون مدفوعاً أقل من قبل بالديون»، وقال كاروانا: إنه منذ عام 2007 فإن الاقتصادات العشرين الكبرى قد زادت نسبة ديون القطاع غير المالي إلى الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 20%، لتصل الى 275% لدى الاقتصاديات المتقدمة و175% لدى الاقتصاديات الناشئة. الشركات التجارية الكبيرة، مع ذلك، قد استخدمت السيولة الإضافية لإعادة شراء أسهمها، وفي تمويل عمليات الدمج والاستحواذ، أو إعادة جدولة الديون، وليس في مصانع أو معدات جديدة، وفي الوقت نفسه، تباطأ نمو إنتاجية اليد العاملة إلى الأدنى. وبعبارة أخرى، فإن الأموال الرخيصة تطوف حول الاقتصاد محفزة النشاط المالي فقط - وترفع أسعار الأصول - بدلاً من تعزيز النمو الحقيقي، وتفاقم الطلب الذي تحركه المزيد من الديون «لا يمكن أن يكون بديلاً عن الإصلاح الهيكلي، كما أن الارتفاع المتواصل في الدين العام لا يمكنه تعزيز الثقة»، كما يقول كاروانا: «إن أسعار الفائدة المنخفضة بالتأكيد ستؤدي إلى زيادة المخاطرة، ولكن ليس من الواضح إن كان هذا سوف يتحول إلى الاستثمار الإنتاجي». الحجة العامة باتجاه المزيد من التحفيز النقدي، وهي حجة اعتمدت من قبل البنك المركزي الأوروبي، هي أن هناك حاجة إلى هذا التحفيز من أجل منع الانكماش، ويجادل كاروانا بأنه لا بأس في انخفاض التضخم وحتى بعض الهبوط في الأسعار: «هناك أسباب وجيهة للاعتقاد أن الضغط النزولي على التضخم يعكس آثار عرض جانبية إيجابية في الاقتصاد العالمي، على الأقل في جزء منها، وإن المزيد من المنافسة في أسواق السلع، وعلى نحو متزايد أيضاً في أسواق الخدمات، يقلل من مجال رفع الأسعار، وحتى أنه قد يضطرها إلى الهبوط». في التقرير السنوي، يقول بنك التسويات الدولية: إن الأسعار قد تنمو على متباطئ أكثر من قبل وذلك جزئياً بسبب العولمة، وهذا ما يفسر التزامن الملحوظ بين معدلات التضخم لكل بلد على حدة، وفي الوقت الذي يحاول فيه صناع السياسة تحريك الأمور باتجاه رفع التضخم، وصناع القرار كالموجودين في البنك المركزي الأوروبي قد يكونون يعملون في عالم ولَّى واختفى. الدافع الوحيد المعقول لمحاولة رفع التضخم والحفاظ على وفرة المعروض من النقود، هو أنه يفيد الحكومات المثقلة بالديون والشركات والمقترضين الأفراد، لهذا السبب يقول محافظ بنك انجلترا مارك كارني: إن «الوضع الطبيعي الجديد» لأسعار الفائدة هو أنها ستكون أقل من «الوضع الطبيعي القديم» بحوالي 2،5% بدلا من 5%: «لقد تغيرت الأشياء، والأسر لديها الكثير من الديون، والحكومة لا تزال تعزز المركز المالي، وأوروبا ضعيفة، والجنيه قوي والنظام المالي قد تغير جذرياً». كارني، على الأقل، يتحدث عن رفع أسعار الفائدة في المستقبل المنظور، وإن كان ذلك سيتم بصورة بطيئة، لكن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي سيتمكن فقط من القيام بذلك في وقت ما من العام المقبل، الآن، هو أكثر اهتماماً بتقليص مشترياته من السندات، كما أن بنك اليابان يحافظ على جهوده في شراء الأصول، في حين أن ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي لا يقوم حتى بإثارة احتمال تشديد الإجراءات. إنه من السهل على كاروانا أن يدلي بهذه الآراء غير المعيارية، فلن يقوم أحد بتحميله المسؤولية عن المزيد من التباطؤ الاقتصادي، أو زيادة البطالة، أو أزمات السندات، رؤساء البنوك المركزية لا يريدون الألم الذي يصاحب السياسات الأكثر صرامة، لكن هذا يعد سبباً أقوى وأكثر منطقية بما يدفعنا إلى الاستماع إلى كاروانا، الذي كاد أن عند يتوقع أزمة كبرى أخرى ما لم يتم التصدي نهائياً وبصورة جذرية للأسباب الجذرية لتلك الأزمة التي وقعت قبل ست سنوات. يوماً ما خلال فترة قريبة، سيتعين على المنظمين الوطنيين مواجهة الواقع وإغلاق الصنابير المفتوحة، وكلما تأخروا في عمل ذلك، فستكون الصحوة أشد للحكومات والشركات والأسر التي لم تتمكن من تصفية تعاملاتها قبل ذلك، وإذا كانت البنوك المركزية بطيئة جداً، فإن بنك التسويات الدولية يحذر أن «حلقة مفرغة يمكن أن تتطور، وفي النهاية، قد تكون الأسواق هي التي ستُظهِر رد الفعل أولاً، إذا بدأ المشاركون في رؤية البنوك المركزية بأنها وراء المنحنى».