كيف يمكنك فعل الاحترام.. إذا مرر الآخر فوق رأسك سحابة غرور.. إذا استهان بكل ما تعرفه.. إذا اعتقد أنه وحده المستحق للإكبار. كيف يمكنك الإكبار والتقدير والاعتزاز والانبهار، بمن يسحب كل ذلك منك. كيف تجامل، تماهي، تفرح، تبتسم، لمن يطأ بقدميه على إنسانيتك؛ ليؤكد لك أنه إنسان محترم. يجعلك ضريحا يُزار لكل أشباهه، الذين لا يشعرون بأي تقلبات من حزن أو فرح أو ألم. ثم إن فعل الاحترام يُورق الثقة، هذه ما إن تسقط، تتهاوى الأصرحة، كيف تثق فيمن لا يثق بك، لا يكترث لأمرك، كأنك فجأة أصبحت شيئا ما، أي شيء، إلا كونك بشراً. كيف تلاحظ إخضرار العشب وزرقة السماء بأعين طالها البكاء، حتى أشهبت الصور، واختفت الملامح. تحجرت المآقي، تجمدت على وجهك ابتسامة صفراء، لتستطيع على الأقل أن تقابل بها الآخر بوجه بشري. كيف يتعلم الإنسان احترام الآخر، لشخصه، لبشريته. في حين أن مشاعره لم تعرف النزف أبدا، الأحجار.. لا تنزف. ألا تتسارع دقات قلبه عند لقاء عفوي، من يرغب بالحديث معه، لا أن يتحدث عن قيمته وعظمته، أنت الضحية التي تهديه جبروتا يحتاجه؛ ليكمل المشوار كمصاصي الدماء. كيف لك أن تتمكن من فعل الاحترام، بعد أن اكتشفت أن حياتك نُسجت بكل تفاصيل الزخارف الرائعة، بتوازن الألوان، وبحياكة متقنة، إلا أنك وسط تركيزك على النسيج لم تلتفت إلى اطار منوالك، المتآكل، الهش.. كأن الغيرة نهشته، لم يعد يحتمل صدق تقاسيم الجمال التي يكاد يسمع موسيقاها. يا له من نسيج فائق الجمال، إلا أن المنوال تحطم، فانفتقت العقد التي تحكمه، وتفتحت الخيوط الأساس التي تنعقد عليها أيام الحياة المبتغاة. لم يحترم المنوال النسيج المعلق به، لذا تفكك النسيج، الاحترام يدوم بالتبادل، لا تستطيع أن تحترم من لا يقدر نفسه جيدا، فهو إما غلبه الزهو، أو فاقد احترامه لنفسه، وكلاهما اعتقاد باطل، سيمضي حياته وحيدا؛ لأن الاقلال من الآخر يقلل من الاقتراب منه، لن يجد من يناوله مبتغاه من التقرب للبشر، ستخبو نظرة الاعجاب ويستبدلونها بالاشمئزاز، تماما كتلك التي يصدرها للغير، ستصبح ملامح الناس كمرآة يرى فيها وجهه المقيت، يتراجع إلى الخلف، إلى الظلام، إلى زنزانته النتئة، لقد فقد احترام العالم له، لكنه لن يتخاذل فهناك المزيد من القلوب الساذجة التي يستطيع أن يخدعها، فالخداع ستار لاخفاء قلة احترامه لنفسه، تلك السجية المرة التي لا بد أن يتعايش معها، كمن ينفخ في بالون، يعلم بالضرورة أنه سينفجر ويعود مرة أخرى متخاذلا. يرعبه جدا الناس المحترمون، الذين حصدوا نياشين التقدير، حتى بعد وفاتهم، لا يستطيع فهم أمور كهذه، كيف يمكن لهؤلاء الأغبياء حمل عاطفة جديرة بالاحترام لشخص لم يعد موجودا، كيف لايقدرون صيته العظيم وسماته الفذة، وملامحه القوية، وكل ما يملكه. قد يغتاله الخوف، وهذه أيضا سمة لضعف الاحترام، خوف من أن يفقد احترامه لنفسه بالكامل، فقد قابل العديد من المحترمين، ودقق النظر لمحيا من يقابلونهم، إنها تنطق بالإجلال، هذه الصورة التي يتمنى أن يراها على وجوه من يروه، نعم إنه يؤول ذلك بحقارتهم، وإلا لما يُحترم إلى هذه الدرجة من لا يفترض الا أن يشيحوا وجوههم عنه، بل يؤمن بتركيبة خاصة به يقيس بها علو ونقص مكانة من يقابل، فمن لا يحترمه منذ أول وهلة يعتبره شيئا ما.. أي شيء، إلا أن يكون بشرا.