الحقيقة أنني حين فكرت بكتابة هذا الموضوع تأثّرا برواية د.غازي القصيبي «الجنية» خفت أن أكتبه ليلاً وانتظرت صباحات عدة لاستجمع بعضاً من شجاعة. تستعرض هذه الرواية تجارب ضاري ضرغام الضبيع موظف ارامكو المتخصص بالانثروبولوجي مع الإنس و الجن بعد أن تقاعد من أحد الجامعات الأهلية لبلوغه خمسة و ستين عاما. ومن الملفت بها ،هو استعانة الكاتب بعدد كبير من المراجع و الكتب لسرد تراث المملكة وفلكلورها الخاص بالجن تارة بشكل مضحك وتارة بشكل مرعب. « نبدأ بالمنظقة الشرقية و التي يبدو أن جنّها يتنقلون بسهولة متناهية بينها و بين مناطق الخليج هناك ، اولا، الجنية الأشهر في منطقة الأحساء «أم السعف و الليف»ليشرح بعد ذلك كيف يرتعد اطفال الأحساء خوفا منها و زفيفها وهم قادمون من عالم الكبار وكيف أن هوايتها المفضلة معاقبة الأطفال المشاكسين.ثم «أم حمار» و التي تناولها طاش ما طاش في احد حلقاته و الجني المرح «دعيدع»و الذي يتمتع بشكل ظريف و يستمتع بالقصف الجوي بالحجر للمشاة ليلاً. أيقظت هذه الرواية في داخلي أوقات مضت من زمن اتخذ فيه الأباء الجن و الأشباح حاجزا نفسياً لمعاقبة الأطفال و تخويفهم بعيداً عن العصي و السجائر و غرف العناية المركزةو«السعلوه- السعلاه» أشهر جنيات نجد وهي من آكلة لحوم البشر ونسختها المذكرة «السعلو»» ناهيك عن» الوهوة» وهو جني على شكل كلب والمغمور منهم «أبو سلعفاه». ثم يأتي دور جن الحجاز و منهم «الدجيرة او الدجيلة» وهي عجوز مصاصة دماء و»الغولة» الجنيّة الأشهر و «أبو قرون» وهو ثعبان ضخم بقرون على رأسة أمّا في عسير ،فالجن منظمات تسير في مجموعات اشهرها المسماة «سبعة» وهي مجموعة من سبعة افراد يتخصص أهلها في ايذاء البشر ،أما الجن المتخصصون في إيذاء الأطفال فهم «قعود حايل « و «بالهول»و «أم ليول» و جني يدعى «أبو رجل يد.» أيقظت هذه الرواية في داخلي أوقاتاً مضت من زمن اتخذ فيه الأباء الجن و الأشباح حاجزا نفسياً لمعاقبة الأطفال و تخويفهم بعيداً عن العصي و السجائر و غرف العناية المركزة. ما بال البشر وإزهاق الأرواح؟! في كل يوم تطالعنا الصحف بحوادث أُسرية لكل الفئات العمرية الأطفال و المراهقين والوالدين. نحن لا ننكر أن البعض منها وارد لوجود صراعات سيكولوجيه بين أفراد الأسره أو في المدرسة أو الشارع ولكن ألا تتفقون معي أنها في ازدياد و أن روتين حماية حقوق الانسان يأتي متأخرا. لماذا لم تستحدث الهيئة قانوناً صريحاً و معلناً للحماية الأسرية، ولماذا نكتفي بالتفرج على صور الإصابات دون أن نحرك ساكنا. على فكرة كنت أخاف من «سند» وهي جنيّة تحضر بمجرد نطق اسمها، تتسلق على الشجر و تطل من النوافذ ليلاً لتقتات على الأطفال الذين يسهرون أو يخرجون دون إذن ذويهم.