لم تكن رواية الجنية مطلبي من زيارة معرض الكتاب، بل كنت أبحث عن صور للوحات تحمل وجوها وملامح عربية، وكان غلاف الجنية يحمل صورة تتوافق مع طلبي، وعندما وصلت البيت زاولت مضيفتي عادتها القبيحة في تفتيش الأكياس، وصاحت بأعلى صوتها قائلة إنها الجنية!. وبحكم تربيتنا عند سماع طاري الجن، لا بد من الاستعاذة. فأنا من جازان وغير معتادة على جن الرياض فتعوذت بالله من همزات الشياطين مع يقيني أن الجن غير الشياطين، والجن لهم عالم يهتمون بتعميره مثلما نحن مهتمون بتعمير عالمنا وتدميره، ولهذا لم أعطِ جنية القصيبي، ولم يكن هناك مناص من تخصيص وقت لقراءتها والتعرف على أنثروبولجيا قنديش وتمريرها لبعض الشباب لمعرفة مدى تقبلهم النقد حتى لو كان على لسان جني، فنحن البشر نكره حقائق واقعنا ونغلف ما نعجز عنه بالغيبيات هربا من عناء التفكير، وإذا وجد من يفكر عنا اكتمل نصاب العجز والكسل. ونجد في فصول الجنية أن القصيبي، رحمه الله، استطاع كشف أخطاء هذه التربية من خلال الرواية وتسلسل الأحداث وتجسيد سطوة عرف القبيلة وتوارث الأفكار بين الأجيال، وأبرزها سمة خشونة الرجل وصلابته من بداية دخوله الدنيا وباختيار اسمه وطريقة تربيته والجدار الناري فيما يخص تعامله مع الأنثى. وفي رأيي هذا ما جعل معظم الشباب يخشون مأزق اللقاء الأول مع الأنثى، إذ لم يكن رسم خط سير مستقبل بطل الرواية «ضاري ذرغام الضبع» سهلا دون المساس بأعراف القبيلة. وإضافة إلى وصايا قنديش التي تعد السهم المضي إلى أهمية تصحيح مفهوم التربية بداية بكشف كواليس الطبيعة البشرية وإزاحة التراكمات عنها بشيء من اللين، سنجد أن البشر يتساوون في الميول والنزعات الإنسانية التي من الممكن تهذيبها وترويضها بمنح العقل مساحة من الحرية كما فعل غازي القصيبي وغيره ممن خرجوا عن دائرة التلقين وتعدوا عوائق التفكير الكثيرة من حولهم.