منذ سنوات كان عدد الشعراء قليلاً، وكان لا يقدّم عبر الوسائل الإعلامية إلا الشعر الجيد، وكان المتلقي يستمتع بقصائد جزلة وجميلة وعذبة، حيث لم تكن الفرصة متاحة لمن لا يملك ما يُدهش به القارئ أو المستمع للوصول الإعلامي وإظهار ما يكتبه من قصائد. أما الآن فقد تغيّر الوضع وتبدّل الحال، حيث أصبح المتلقي يتعب في البحث عن قصيدة جميلة عذبة تأسره عند سماعها أو قراءتها للمرة الأولى وقد لا يجد، فقد أصبح أكثر ما يُطرح من قصائد في الوسائل الإعلامية متشابهاً، فمع كثرة الشعراء والقنوات الشعرية اختلط الحابل بالنابل، وغابت الشاعرية المدهشة، فأصبح من النادر ظهور قصيدة جميلة بين زحمة ما يُقدّم، بل حتى الشعراء المتميزين ملّوا من هذا الوضع، وفضلوا الابتعاد على أن تحسب عليهم المشاركة، والتي قد تعتبر موافقة منهم لما يحدث. يطالبون بإنقاذ القصيدة الشعبية والساحة بشكل عام من براثن الدخلاء «مع أنهم هم الدخلاء».. المضحك في الأمر أن هذا الوضع أصبح واضحاً للجميع، ولكن أكثر من ينتقدونه الآن هم الشعراء حديثو العهد بالشهرة، أو بالأحرى من ظهروا مؤخراً من خلال تلك الوسائل الإعلامية التي سمحت لهم بتقديم كل ما يريدونه، حيث أصبحوا يوجّهون العتاب والملامة للجميع، ويطالبون بإنقاذ القصيدة الشعبية والساحة بشكل عام من براثن الدخلاء «مع أنهم هم الدخلاء»، وينظرون ويطرحون الحلول بل ويستهزئ بعضهم بمن سبقه في المجال من شعراء لهم حضور سابق ومكانة لا يختلف عليها أحد، مما تسبّب في حدوث الكثير من الإشكاليات في الساحة الإعلامية. هم من ضمن المتهمين بتدهور الذائقة الشعرية مع المجموعة الإعلامية سالفة الذكر، وذلك بما يطرحونه من قصائد أقل ما يُقال عنها إنها لا ترقى لأن تكون قصائد حين وجدوا من يلمّعهم ويظهرهم نجوماً دون تقييم صادق لما يقدّمونه. ختاماً.. أعتقد أنه من الصعب أن يعود الزمان إلى الوراء حتى لا يظهر إلا من يمتلك الشاعرية المذهلة، فاليوم يختلف عن الأمس ولكن ما قد يحفظ للقصائد مكانتها هم الشعراء الحقيقيون الذين يعرفهم الجمهور المتذوّق للشعر جيداً، وقد لا يختلف عليهم بغض النظر عن أي عوامل أخرى. [email protected]