لو قيل لك : إن القلب مجرد مضخة.. مجرد مستقبل ومودع لشيء لا يعرفه.. إنه بلا سمع ولا بصر ولا حس ولا حدس .. فهل تصدق هذا ؟ إذا صدقته فأنت تئد كل الشعر وكل الموسيقى وكل المواويل الصادحة بالأنين وكل السهاد الذي عاناه العاشقون في كل زمان ومكان. يقول نزار قباني : شعري أنا قلبي ويظلمني من لا يرى قلبي على الورق. ولو قيل لفيروز : إن القمر مجرد مرآة للشمس اذا أراد رؤية وجهها الآخر أطلت عليه، واذا لم يرد ينخسف ويشيع الى مقبرة الظلام إلى حين تريد رؤية وجهها.. فهل تصدق فيروز هذا وهي والقمر جيران؟ المفردات القديمة استقرت معانيها باطمئنان كامل في لاوعينا .. إنها تحولت إلى رمز، والرمز هو ميناء الأحلام المتعدة الاتجاهات.. أية مفردة مفهومية حين تتحول إلى رمز تصبح غابة لأحلام الشعراء والفلاسفة والمصلحين أو من يحاولون الإصلاح. ليكن القلب طريقا للشرايين، وليكن القمر طريقا للشعر وصوت فيروز الخالد، لكنهما يبقيان يمدان اللغة بأجمل ما فيها .. يمدانها بالحياة والحب. تلك المفردات تخرج بيضاء من غير سوء من القاموس وتسبح في فضاء الإنسان الباطني.. تمتلئ بضياء غير مرئي .. ضياء لا يراه إلا من خرجوا من أسر الليل الى حرية النهار. يقول رائد الشعرية الرمزية الشاعر شارل بودلير .. حسب أحد مترجميه : (( الطبيعة معبد تكتنفه أسرار الدين. تصدر عن أعمدته الحية في الحين بعد الحين أصوات كالزمزمة بكلمات مختلطة مبهمة ويجوس فيه الإنسان في غابات من الرموز تراعيه وتحدق فيه بنظرات أليفة)) الطبيعة إذن رموز. وتقول سلافة أحمد : (( القصيدة كعمل فني مثل الحلم.. تمنحنا معرفة أنفسنا وتتطلب منا أن نضع لها تفسيرنا الخاص.. هنا تكمن الاثارة التي يخلقها الرمز والأسطورة في العمل الأدبي)). أهم ما صنعه الإنسان هو رمز اللغة. اللغة مجرد رموز فتحت أمام الإنسان أبواب التواصل وأبواب التعبير الكامل عن الأحاسيس والمشاعر وما يكنه الداخل من براكين. ليكن القلب طريقا للشرايين، وليكن القمر طريقا للشعر وصوت فيروز الخالد .. لكنهما يبقيان يمدان اللغة بأجمل ما فيها .. يمدانها بالحياة والحب.